اكتفاء الواحد منهم - كأبي حنيفة - بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قل، وعدم تعنيه في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبين أحكامه، قوي عندك ذلك الترجيح.
بل تجد الفقهاء... لم يجتمعوا على تحرير الصحيح والاتفاق على العمل به، فهذه كتب الفقه في المذاهب المتبعة ولا سيما كتب الحنفية فالمالكية فالشافعية، فيها مئات من المسائل المخالفة للأحاديث المتفق على صحتها... وقد أورد ابن القيم في أعلام الموقعين شواهد كثيرة جدا من رد الفقهاء للأحاديث الصحيحة عملا بالقياس أو لغير ذلك، ومن أغربها أخذهم ببعض الحديث الواحد دون باقيه، وقد أورد لهذا أكثر من ستين شاهدا. انتهى كلام هذا المفسر الفقيه العارف بالأحاديث أعني السيد رشيد رضا.
أقول: ما ذكره هو الواقع خارجا سواء كان حقا أو باطلا، فإن الخلفاء لا سيما عمر رضي الله عنه وأرباب المذاهب لم يكونوا يقيدون أنفسهم بالأحاديث، بل يقدمون اجتهادهم بالقياس وغيره عليها من دون استيحاش وحرج، فلم يكن قيمتها عندهم كقيمة الآيات القرآنية، فالسنة القولية عند أهل السنة - وإن عدت أحد ركني الشريعة ادعاء ولكنها ليست كذلك - عملا بأي دليل كان، وإن كان ما أعتذر به السيد رضا - على ما عرفته آنفا - من أحسن الاعتذار، ومنه يظهر أمران آخران، وهما:
1 - إن ما ذكره جمع من الغافلين من اعتبار روايات الصحاح الستة، وعدم جواز التشكيك في اعتبارها وصدورها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفاق الكل على اعتبارها - خصوصا على اعتبار أحاديث البخاري ومسلم - مخالف للواقع، بل هو طبل فارغ لا وزن له سوى صوته! فإن الصحابة لم يروها معتبرة وفقهاء المذاهب - خصوصا الإمام أبو حنيفة - لم يقبلوها كما