صحيح الأحاديث وتدوينها في مجموعة باسم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعلوا ذلك بالنسبة إلى جمع آيات الكتاب الكريم، ولا يترتب على ذلك أي محذور جزما.
وعلى الثاني، فإن فرض النهي المذكور أمرا تعبديا صرفا كجملة من المحرمات الأخر التي لا يعلم وجهها، يتجه السؤال إلى هؤلاء المحدثين الذين ألفوا كتب الحديث من الصحاح والمسانيد والسنن هل هم من العصاة المبتدعة؟ ولعله لا مناص عنه على هذا الوجه، وأشير في هذا إلى ما قاله بعض المحققين، من أن التابعين لم يدونوا الحديث لنشره إلا بأمر الأمراء. وإن فرض أن للنهي حكمة مفهومة، فما هي الحكمة المذكورة؟
يقول بعض أهل التحقيق: وقد يكون قريبا من الصواب في حكمة نهي النبي عن كتابة الحديث، هو لكي لا تكثر أوامر التشريع ولا تتسع أدلة الأحكام، وهو ما كان يتحاشاه صلى الله عليه وسلم حتى كان يكره كثرة السؤال، أو يكون من الأحاديث في أمور خاصة بوقتها بحيث لا يصح الاستمرار في العمل بها.
يقول صاحب المنار (المجلد العاشر) بعد كلام له: وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث، بل في رغبتهم عنه، بل في نهيهم عنه، قوى عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) دينا عاما دائما كالقرآن، ولو كانوا فهموا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد ذلك لكتبوا ولأمروا بالكتابة... وبهذا يسقط قول من قال: إن الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث بالرواية، وإذا أضفت إلى ذلك كله حكم عمر بن الخطاب على أعين الصحابة بما يخالف بعض تلك الأحاديث، ثم ما جرى عليه علماء الأمصار في القرن الأول والثاني من