أما هو واضح كل الوضوح فخلاصته أن عليا مفطور على التضحية. بكل ما هو خاص في سبيل ما هو عام. تنبئنا بذلك سيرته صفحة صفحة، وتخبرنا به حياته طورا طورا، وكان به من روح المحافظة على الرسالة الإسلامية ما يجعل كل أمر مهما بغلت خطورته، هينا لديه إزاء ما قد يسئ إلى الرسالة في معنى الاستمرار والانتشار. وهو يعلم من سيرة بني أمية في الجاهلية والإسلام ما يجعله يتحفظ في أن يعلن ثورة عليهم أو يأمر باشتباك معهم، دفعا لما قد يصيب المسلمين على أيديهم عند ذاك من انشقاق. وهو يعلم علم اليقين أن من نوايا الأمويين في خلافة عثمان، التخلص من الفئة التي قام بها الإسلام الصحيح واستمر في عافية.
أولم يكن مروان بن الحكم يشير على عثمان. بمناسبة وبغير مناسبة، أن يقتل عليا وأبا ذر وغيرهما من عظماء المسلمين الذين لا يستطيع مروان ورهطه أن يعبثوا ويفسدوا وهم على قيد الحياة؟
ثم، ماذا يلم بالمجتمع العربي من طغيان وفساد إذا تمت مشيئة مروان؟
أفليس من المنطق، إذن، أن يكتفي علي (ع) بموقفه هذا من قضية أبي ذر وهو الذي وقف من قضاياه الخاصة مثل هذا الموقف محافظة على وحدة الصفوف وعلى ثقة الناس بعضهم ببعض!
ألم يسبق له، من قبل، أن رضى من عمر بن الخطاب بعد بيعة السقيفة أن يدخل عليه، وبيته كعبة للناس، فيأخذه بحمالة سيفه إلى بيت الخلافة لمبايعة أبي بكر، والناس حوله بين متعجب ومتذمر وساخط وكلهم رهن إشارة منه!
أولم يكن باستطاعته عند ذاك أن يشعلها ثورة لاهبة دون هذه المعاملة يبادر بها وهو ركن الإسلام وحصن العدالة وقبلة الناس.