فتلخص مما قررناه: إن المسلمين في عصر الخلفاء وبعده كانوا يتلقون أحكام الدين عن علماء الأصحاب وقرائهم النازلين في بلدانهم، وهم يفتون الناس بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو رأوه باجتهادهم. وبعد الأصحاب كانوا يأخذون عن التابعين وعن الأمراء المبعوثين إلى بلادهم فتاواهم المختلفة كذلك، وكانت تنتشر تلك الفتاوى أولا في بلدهم ثم يتدرج الانتشار منها إلى سائر الأمصار شيئا فشيئا على حسب الاقتضاءات الوقتية والمساعدات الاتفاقية، وهذه كانت سيرة المسلمين طول عدة سنين.
قال المولوي شاه ولي الله في رسالة الإنصاف:
" إن الناس في المائة الأولى والثانية كانوا غير مجمعين على التقليد لمذهب واحد بعينه، بل كان العوام يأخذون الأحكام عن آبائهم أو عن علماء بلدتهم الذين حصلت لهم قوة الاستنباط كلا أو بعضا عن الكتاب والسنة " إلى آخر كلامه (1).
وفيه تصريح بأنه قد مضى على ظهور دين الإسلام قرنان قد نشأ فيهما آلاف الألوف من المسلمين وكلهم ماتوا على دين الإسلام، ولم يخطر ببال أحد منهم اسم مذهب من المذاهب التي حدثت في القرن الثاني والثالث وولدت (2) مؤسسوها فيهما، فضلا عن أن يتمذهب أو أن يعرف نفسه بالنسبة إلى مذهب معين منها.