جنادة، أنه (ع) خطب في أول إمارته وخلافته بالمدينة المنورة. فحمد الله وأثنى عليه (عز وجل)، وذكر النبي وصلى عليه ثم قال: أما بعد، فإنه لما قبض الله نبيه (ص) قلنا: نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الإمرة لغيرنا وسرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور وجزعت النفوس، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه... إلخ.
ونقل ابن أبي الحديد أيضا بعد هذه الخطبة في صفحة 308، عند مسيره للبصرة، قال: (استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلف... إلخ.
ولعلي (ع) في نهج البلاغة كتاب إلى أهل مصر، بعثه مع مالك الأشتر رحمه الله تعالى، جاء فيه: أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمد (ص) نذيرا للعالمين ومهيمنا على المرسلين، فلما مضى (ص) تنازع المسلمون الأمر بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده (ص) عن أهل بيته، ولا أنه منحوه عني من بعده (ص)، فما راعني إلا إنثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد (ص) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما، تكون مصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان... إلخ..