أميال منها) فقالت: يا بن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا (نشيطا) أن تخذل عن هذا الرجل (تعني عثمان) وأن تشكك فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ورفعت لهم المنار، وتحلبوا من البلدان لأمر قد جم، وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فإن يل (الخلافة بعد عثمان) يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر رضي الله عنه. فقال لها ابن عباس رضي الله عنه: يا أمه، لو حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا (يعني لو قتل عثمان لبايع الناس عليا) فقالت:
إيها عنك! إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.
فقد كانت عائشة رضي الله عنها تريد أن يخذل ابن عباس عن عثمان. وتود أن يلي الخلافة طلحة الذي كان شديدا على عثمان فتعود الخلافة تيمية كما كانت، وتكره أن يلي الخلافة علي. لكنها لما علمت أن الناس سيبايعونه إذا قتل عثمان خرجت إلى مكة، ولما خرجت من مكة تريد المدينة لقيها بسرف رجل من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة فقالت له: مهيم؟ قال: قتل عثمان وبقوا ثمانية. قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: اجتمعوا على بيعة علي. فقالت: ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك (أي ليت السماء انطبقت على الأرض) ردوني، ردوني، فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه. فقال لها: ولم؟
والله إن أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا (عثمان) فقد كفر، وفي رواية (فقد فجر). قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا: وقولي الأخير خير من قولي الأول. فقال لها ابن أم كلاب (وهو عبيد بن أبي سلمة):
فمنك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا إنه قد كفر فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر وقد بايع الناس ذا تدراء * يزيل الشبا ويقيم الصعر