ولما مات لم يوجد بخزائنه إلا ستمائة درهم استبقاها ليشتري بها خادما. بل وكما لخص حياته سفيان الثوري: ما بنى لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتي بحبوته في جراب. الحبوة الخراج.
وكما يقول محمد بن كعب القرظي: سمعت علي بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني وأنا أربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار.
ولما قال معاوية لضرار بن ضمرة: صف لي عليا، قال فيما قال: كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحدته، وكان الله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا أتيناه، ونحن والله مع تقريبه لنا ودنوه منا لا نكلمه هيبة له. لا يطمع القوي في باطلة ولا ييأس الضعيف من عدله، يبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا إلي تعرضت أم إلي تشوفت، فهيهات هيهات! غري غيري.
ومنهم الدكتور السيد الجميلي في " صحابة النبي صلى الله عليه وسلم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار " (ص 62 ط دار الكتاب العربي - بيروت) قال:
وعلي بن أبي طالب من خيرة وصفوة السابقين الأولين إلى الإسلام له فضل السبق فضلا عن فضل القربى، مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصه برعاية وحدب وحب منقطع النظير. وتزداد كرامة المؤمن عند ربه بازدياد زهده في الدنيا، وتتفاوت أقدار الهمم المشحوذة في السعي إلى الآخرة بصالحات الأعمال حسب عزوفها عن الدنيا ورغبتها عنها.
وكان علي رضي الله عنه أصدق مثال على هذا الزهد في الدنيا والصدوف عنها لأنها في نظره لا قيمة لها رغم إن المفتونين فيها كثير، ولم يكن زهدا في القول فحسب وإنما قولا وعملا ومنهجا انتهجه وسبيلا سلكه. وجادة استقام عليها. وكان