قال عمار: ولماذا لم ينصره - يا أبه - ربه نصرا حاسما بآية كطير أبابيل؟ وما باله يؤتيه النصر شيئا بعد شئ كالمدين المطول لا تطيب نفسه بالوفاء جملة، فيسدد دينه أقساطا؟.
قال ياسر: هذه مسألة قد يكون علمي أقل من الجواب عليها، وقد يكون عند أبي طالب حلها أو بعض حلها، ولكني أظن رب عبد المطلب ربا في قدرته الهائلة غنيا في ذاته، وأنه في قدرته الهائلة رب رؤوف حليم غير ذي انتقام، فهو من غناه الذاتي قادر على الامهال، نشيط على الصبر، كالدائن السمح يسدي بالإدانة أيادي عدة لا يدا واحدة: يدا في الدين، ويدا في أرباح الدين، ويدا ثالثة في إمهال المدين حين يدركه يسار النفس ويسار المال، وهو من غناه الذاتي بعد هذا كله حيث لا يضره غي الناس، ولا ينفعه رشدهم، فسيان عنده علموا أو جهلوا، وسيان عنده سفهوا أو عقلوا، وسيان عنده شقوا أو سعدوا، لا يناله من أحوالهم كلها ربح ولا خسارة، وإنما يريد لهم ما يريد من خير، ويأبى لهم ما يأبى من شر، ثم لا يليق بغناه الذاتي فقر التدخل بأحوالهم على نحو الجبر، لذلك لا يكرههم على الفضيلة إكراها، وإنما يخيرهم ويخلي بينهم وبين ما يشاؤون من فضيلة أو رذيلة، في أناة من لا يخيفه الفوت، ولا يعجزه الطلب.
وهو من رأفته بمكانه الألوهة ينظر منه إلى أعدائه نظره إلى أصدقائه، كلهم عباده، وكلهم عياله، وكلهم حري عنده أن يحيا ويعيش ويسعد، لا يأتي التفاوت في هذه الأمور من قبله،