حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٢٩
فوجدت لهؤلاء رأيا جميلا في الله، ورأيا جميلا في الحياة ليس لقومهم مثلهما. وليس إله عبد المطلب إلها مصنوعا لا ينصر إلا أن ينصر، ولا يعطي إلا أن يعطى، بل هو إله صانع ينصر ولا يستنصر، ويعطي ولا يستعطي، ألم تر إلى ما حدثتك به من أمر (أبرهة) وجيشه؟ ألم تر إلى تلك الطير الضئيلة التي لا نعرف مثلها في النسور، وإلى حصواتها الصغار التي لا نعرف مثلها في الصخور، كيف أهلكت جيشا لم تثبت له اليمن؟
ذاك كله مظهر من مظاهر القدرة في إله عبد المطلب، فأين منه آلهة الناس مما يصنعون من تماثيل ودمى عمي صم بكم لا تعقل، ولا تدفع عن نفسها شرا إن أردناها بشر، وإله مثل إله عبد المطلب - يا بني - خليق أن يكبر على طاقتنا، فلا يخضع إلى تصرفنا كي ننقله أو نحمله أو نعبث به كما شئنا، كيف شئنا.
قال عمار: لست أعني بإظهاره تجسيده، ولا تمثيله، ولا نقله من عليائه إلى مصاف هذه الأحجار الصم العمي البكر.
فليكن إظهاره بإظهار أمره، وإفشاء سره، وإعلان قدرته.
قال ياسر: لكل أجل كتاب - يا بني - لا يسبقه ولا يتأخر عنه، وكيف يتأتى لعارفي هذه الإله العظيم إظهار أمره قبل تحرير الناس من سيطرة الخرافة، وقيد العادة، وعبادة الذات، وسحر الوهم، وهذه كلها جنون مجندة، لا تكاد تحس المتحرر حتى تأخذ عليه الآفاق، وتسد عليه الطرق، وقد رأيت عبد المطلب برغم ذلك يتأتى الفرصة، ويسعى في مهل إلى
(٢٩)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست