أترى تقر أعين الناس وتطيب نفوسهم بما تنكر الأعين والأنفس، من استرقاق الرقيق، واستضعاف الضعيف وامتصاص الجهود باسم آلهة هي أشد رقا من الرقيق، وأعظم ضعفا من الضعفاء؟.
فقال له أبوه: قد أعلم ما تعلم يا بني، وأوقن بما توقن، وأزيد فأسمي لك نفرا من العبيد والأحلاف وبعض أبناء البيوت يشوكهم ما يشوكك، ولكن أكتم هذا في نفسك ولا تجاوزه إلى أحد ممن في هذا الوادي. إن يذع عنك هذا النقد يثر عليك وعلي شرا لا تقدر على دفعه، ولا تقوى على تحمله، وتعلم يا بني أن لهذا (البيت) ربا يحميه، ويكشف عنه كل ضر، أنت لم تكن يوم الفيل، فقد كنت رضيعا، وكنت أنا وشهدت يومه فيمن شهده، ورأيت كما رأى الناس عجبا.
رأيت سيد قريش: عبد المطلب بن هاشم، يأمر أهل مكة أن يخلوا بين (أبرهة) الحبشي وبين (البيت) ولم يكن له ولا لقريش قبل بلقاء جيشه الجرار المنظم، ورأيته مطمئنا يذيع الطمأنينة في أهل مكة ويعدهم النصر دون قتال، وكنت يائسا - ولا أكتمك - من مكة مع اليائسين، شاكا بوعد عبد المطلب مع الشاكين، ولكني رأيت بأم عيني هذه جيش (أبرهة) ممزقا شر تمزيق، منكلا به شر تنكيل، فما كاد يوعز الحبشي إلى جيشه بالهجوم حتى غام الجو واضطرب، وأخذه مخاض شديد، ثم أقبلت من مجاهله سحب من طير غار تحمل في مناقيرها وأرجلها حصى صغارا ثم ترمي الجيش المعتدي من