حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٣٤
قال المحدث: وكان حوارهما هذا من حديثهما الصباحي، وكان صباح (مكة) صباحا قرشيا مترفا، تحتشد فيه الأندية، ويطيب فيه الحديث، وكان ياسر يتخلف عن نادي بني مخزوم أحيانا ليجلس إلى ابنه يجاذبه كلاما هو أشبه بالدرس منه بالعبث والمفاكهة اللذين تصرف بهما قريش السأم عن الوقت، وكان لياسر من ملاحظته وعقله وتجربته وحكمته اليمانية ما يؤهله أن يقع من ابنه موقع المعلم من التلميذ.
قال المحدث: وقطع عليهما حوارهما ذلك الصباح هتاف هبط عليهما من (أبي قبيس) كما هبط على غيرهما، وعلى غير بيتهما، من متحدثة (مكة) وأنديتها، وقطع من الأحاديث كلها ما قطع من حوارهما ذاك، وأنصتا فإذا الهتاف يهبط من (أبي قبيس) نقيا صافيا حارا مثيرا يبعث الروع والروعة جميعا، وتابعاه بكل حسهما وبما اقشعر من بدنيهما، فإذا هو يردد هذه الأبيات في نقاء وصفاء وحرارة وإثارة:
يا للرجال لمظلوم بضاعته * ببطن مكة نائي الحي والنفر ومحرم أشعث لم تقض عمرته * يا أهل (فهر) وبين الحجر والحجر هل منصف من بني (سهم) فمرتجع * ما غيبوا؟ أم ضلال مال معتمر قال عمار: أرأيت - يا أبتي - إلى ما حدثتك عنه من سفه هؤلاء؟ لقد بلغت الشكوى منهم رؤوس الجبال!.
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست