حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٢٧
حصاها بوباء، فلا ترمي إحداهن الحصاة الصغيرة على رجل إلا خرقته، ونشرت فيه داءين من حصبة وجدري وما هي غير ساعة حتى انكشف العدو مقطعا، وانتصر (البيت) موفورا، وجلت الطير مشكورة، ونزلت السماء تغسل بقايا الوباء ومنذ ذلك اليوم تعلمت أشياء نافعة كثيرة، تعلمت الإيمان برب البيت الذي يعبد عبد المطلب، لا بهؤلاء الأرباب الذين تعبدهم عامة قريش، وتعلمت أن إيمان المؤمن المستضعف أقوى من قوة الظالم المتعجرف، وتعلمت أن لا أزيد بانتصاري للحق على طاقتي، ولا أعدو فيه طوري، نازلا عن قيادته لأصحاب القيادة وأكفائها، كما نزل عبد المطلب لربه عن حماية (البيت) فيما أعجزه من حمايته. دع هذا الأمر - يا بني - لأصحابه، فأنت بالقياس إلى هؤلاء السفهاء أضعف من عبد المطلب بالقياس إلى جيش أبرهة، وبنو عبد المطلب في حرصهم على قداسة (البيت) وأمن بلدهم، وفي قدرتهم على الأخذ بأعراف هؤلاء السفهاء حيث لا تقاس إلا بأحد غلمانهم، فدع لهم أو لواحد منهم أن يتحدث بهذا الأمر، ويفشيه بين الناس فإنه إن يفعل لا يجد أحد في مكة إليه سبيلا، وعساه إن فعل أن يبلغ من تأديب هؤلاء السفهاء ما يرضيك ويرضيني ويرضيه، وسواء أبلغ من تأديبهم الحاجة أم لم يبلغها، فهو من حاليه في حصن من الأذى، وفي قمة طاعة الناس لأمره، أو إصغائهم إلى قوله، أما نحن - يا بني - فليس لنا من الأمر غير الرضوخ والصبر، فإن أبينا سلخوا جلودنا كما
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست