حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ٣٢
وإنما يأتي من قبلهم، صدره ليس ضيقا كصدورنا - يا بني - بالحقد حرجا بالحسد، فوارا بالنقمة، بل هو صدره الرحب الفسيح الخافق بالحب والرحمة والغفران، فلو قد عجل على المخطئين بالنقمة، وأغلق في وجوه العاصين أبواب التوبة، لم يكن حالذاك إلها، وإنما كان ملكا جبارا تعروه الخطيئة، ثم يجب عليه القصاص، ثم إذا فعل ما تتمناه أنت من معاجلة الناس، قل لي: من يبقى من البشر على وجه البسيطة؟ وإذا أخلى البسيطة من الناس، قل: من ذا الذي يعرفه بعدهم؟ وما الفائدة بعد ذلك من الأنظمة والشرائع والقيم؟ بل ماذا يبقى للحياة كلها من الغايات والأغراض والأهداف؟ تعلم - يا بني - أن رب عبد المطلب رب لا أطول من أناته، ولا أوسع من رحمته، ولا أغنى من ذاته، لا يكره بل يخير، ولا يعنف بل يلطف، ولا يعجل بل يمهل، ولا يعسر بل ييسر، وقلما يظهر من قصاصه، ثم لا يقتص إلا إذا طفح الكيل، وإلا إذا توقفت على القصاص حكمة من حكمه البالغة، أو خيف انقطاع هذا الخيط الضعيف الذي يشد الأرض إلى السماء.
قال عمار لأبيه: لله حرة انكشفت عنك - يا أبتي -!. إنني لأشرب كلامك هذا كما أشرب الرحيق، فينشر في نشوة سأسأل شاربي الخمر عن دبيبها، يخيل لي - يا أبه - بعد الذي سمعت أنك لست إنسانا، وإنما أنت ملك يغرس في ريشا من أجنحته. بقيت عندي مسألة لا أحب أن يفوتني علمها.
قال ياسر لابنه: قل وخلاك ذم إن يكن عندي خير فهو لك.
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست