لها الحق ووضح لها الطريق؟. وما حاجة الشيخ والكهل معا إلى أجسام الشباب، وعضلات الأحداث مما ننتظره لصبر ممتحن أو إقدام مقدام؟ وما الفتوة؟ هل هي سن؟ وميعة صبا؟
هل هي مرحلة معينة من مراحل العمر؟ الواقع أنها ليست كذلك. وإنما هي إيمان يكبر حظك منها كلما كبر حظك منه، هي حماسة إيمان تلبس إهاب الكهول والشيوخ كما تلبس إهاب الشبان الأحداث، فتنشئ في هؤلاء وهؤلاء ما ينشئ الشباب الجلد القوي الصبور، وتحرك منه في هؤلاء وهؤلاء ما يحركه من عزم ونشاط ونفاذ وحيوية وتوقد ومضاء، وكم يافع منطفئ الجذور كليل الحد تسقطه القوة من حسابها وإن أعجبك منظره، وكم معمر متوهج الجمرة مشبوب الهمة تحتضنه الفتوة الأصيلة وإن نبأ في العين مظهره.
وكانت الفتوة تزيد في صاحبنا على نفسها في غيره زيادة مضاعفة. كان لا يشك هو، ولا يشك معه عدوه ولا صديقه، في أن لسيفه ميزة، فإذا أهدت السيوف إلى خصومها ضربا واحدا من الموت، فإن سيفه يهدي إلى خصمه وخصم صديقه ضربين: أيسرهما فناء الجسد، وأشقهما لعنة الأبد. ثم كانت تضاعف فتوته ميزة أخرى لنفسه كميزة سيفه. كان يعلم هو، وعدوه وصديقه لا يجهلان أنه مع الحق سلم أو قتل، وأن خصمه مع الباطل انتصر أو خذل، وأية حماسة أدعى للفتوة من حماسة إيمان تهدي إلى عدوها موتين أحدهما أخزى من الآخر، وتدخر لصديقها حياتين أخراهما أبقى من الأولى؟.