والذي يدل إلحاحهم عليه، ومضيهم فيه، على ارتباطه بتوجيه خفي، وعلى ارتباطهم بتحريك حزبي يسوقهم إلى إتيان هذه المنكرات كما يسوق كل حزب إقطاعي أو باشه وعضاريطه إلى الازراء بكبار خصومه، لتصغير شأنهم، والحد من احترامهم.
لم يسرع النبي - إذن - إلى نفي هؤلاء (الأوزاغ) بل نصحهم وتحمل منهم، وصبر عليهم حتى خشي عدواهم على الناس، عندئذ فقط، وبعد أن تبين للناس ما وضح من خبثهم وفسادهم، عزلهم عن الناس، فأسكنهم بطن (وج) حرصا على سلامة الأصحاء من هذا الجرب الوبيل، ولم تخف على أبي بكر وعمر مصلحة هذا النفي فأبقياهم حيث هم طوال عهديهما، لا يقبلان فيهم شفاعة عثمان المتكررة. وكان الافراج عنهم وإبقاؤهم في منفاهم رمزين - بتعبير أوضح - لفكرتين إحداهما رجعية، والثانية تقدمية، فأيتهما انتصرت كان النصر الحقيقي لما تجره خلفها من أنظمة وقوانين ومبادئ.
هذا هو وجه هذه المشكلة السافر، ولا يتضح المأزق فيها إلا إذا انكشف هذا الوجه انكشافا على هذا النحو ليكافئ النتائج الخطيرة التي ترتبت عليه.
وما ندري أكان عثمان نفسه يقدر حرج مأزقه في هذه المشكلة حق تقديره، أم كان يهون عليه أبو سفيان ركوب هذا المتن الخشن وتخفي عليه نية أبي سفيان سلامة قلبه هو، واندفاع عواطفه؟