حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٨١
وكان رأي عمار وإخوانه في المبادرة إلى المعارضة مبنيا على نظرة تقدمية سديدة، وذلك أنهم يعلمون علما قاطعا ما ينتظر الأمة في تجربة الحكم العثماني من انتكاسة الأنظمة، والتواء المبادئ، وما ينجم عن هذا وذاك من ردة تعيد المجتمع من اشتراكيته السمحة العادلة إلى (رأسمالية) تحيي العصبيات، وتهدم الكفايات، وتحتكر الصلاحيات، وتمتص الأقوات، فتروع المجتمع، بعد أمن، وتفرقه بعد اجتماع، وتفقره بعد غنى، وتذله بعد عز، وتضعفه بعد قوة، وتستعبده بعد حرية.
ولم يكن عمار وإخوانه من أصحاب هذا الرأي يرون سياسة الانتظار إلا أسلوبا رجعيا، فإمهال الحاكم الرأسمالي أو طبقة هذا الحكم حتى تتكدس أخطاؤها، توريط للدولة، يرزأها بمالها، ويفتنها في عقائدها، ويشغلها عن تقدمها بمعاناة كل تافه سخيف من أرزاء المجتمع الإقطاعي وتياراته التي تجعل تحصيل القوت اليومي في نظر الناس ظفرا وانتصارا. وهو إمهال بعد ذلك يفسح المجال لفتك الأقلية بالأكثرية، ويعطيها فرصة خض البنيان الاشتراكي والتأليب عليه بالاستهواء، والترويع من وسائلها التقليدية المجرمة، وفي هذه السياسة - فضلا عن تكديس المحنة ومضاعفة الشقاء، ومد الظلام - تكريس غير مباشر لمبادئ الاستغلال بما تهئ له هذه السياسة من فرص الصحو والانتعاش والاستفحال.
لهذا كله بادر عمار إلى المعارضة، وود ما ود إخوانه لو
(١٨١)
مفاتيح البحث: العثمانيون (1)، الغنى (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»
الفهرست