استطاعوا إعفاء الأمة من تجربة ستدفع التاريخ في غير مجراه الصائب، فلا يصلح خطأها حتى الانقلاب الدامي. ودوا أن يجنبوا الإسلام الغض أطماع هذه التجربة، التي ستسحب أنظمته المبنية على التكافؤ والمساواة من حياة الناس الواقعة، وتجمدها تجميدا تجاريا يتلاعب بها تلاعب الأسواق بالبضائع، وتدنيها بالتفسير وفق المنافع الخاصة إلى النسخ والمسخ والتشويه والاستبدال رويدا رويدا بأنظمة طبقية إقطاعية رأسمالية.
ود عمار وإخوانه أن يتجنبوا ويجنبوا الإسلام والدولة هذه (الكفرة الصلعاء) - كما يقول عمار - ولكن تدابير الأحزاب المناوئة لحزبهم كانت أغلب قوة، وأكبر سلطانا، ولم يكن متضحا للرأي العام شئ مما توقن به هذه الخاصة من صفات هذا العهد وعيوبه، وكان حمل الناس - كما هو دائما - على استجلاء خطأ لم يحدث بعد أمرا غير سهل ولا ميسور، من أجل هذا أمر علي عمارا والمقداد ومن حولهما أن ينتظروا الأحداث مكتفين بالنصح، وهو أقصى ما يمكنهم في هذه الحال. فانتظروا ولكن انتظار الثائر في حماسة إيمان، ومضى الحاكمون يقدمون لعمار وإخوانه من الأحداث أدلة على صواب معارضتهم، وهدى سبيلهم.
يزعم المؤرخون أو بعضهم أن الحكم الأموي استتر خلف وجه عثمان ست سنوات قبل ظهوره مستبدا عاطفيا مستأثرا.