حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٧٠
التي لها المحل الأرفع من اتجاهه وغرضه، فأنت إذا عدت إلى نقده الساخر، ورافقت ظرفه، لا تكاد تشك بأنه إنما اصطنع السخرية عامل تهييج وإثارة على طلى ما سخر به منهم، لا أداة تشف واحتقار فقط، فهو إذ ينفي عن هذا وذاك كفاءة الحكم، يدفعهم بهذه اللمسة النفسية إلى السعي والنشاط في طلب الحكم ليكذبوا ظنه، ولو قال لهم تناطحوا وليضرب بعضكم بعضا، بتعبير صريح مكشوف، لوجدهم ثقالا بطاء عن أمره، ولكنه مس عقدهم هذا المس الساخر ليحرصوا على خلافه فيما يزعمون، وعلى خدمته وطاعته كما قدر.
وأراد باصطناع السخرية أمرا آخر، أراد أن يميط اللثام عن حقيقة هؤلاء الزعماء المنظورين، ويخرق هذا الحجاب المسدل بينهم وبين الناس، ليضعهم في متناول الأيدي والألسنة، محتفظا لنفسه بالذروة، باقيا في عقائد الناس أنه الرجل الذي أتعب من بعده. ولعل هذا الشعور أهم العوامل التي دفعته إلى إقصاء علي وتقريب عثمان، فلو أتى علي بعده لم تختلف الحال في ظاهر الأمر وواقعه، ولم يظهر عهد علي ما أظهره عهد عثمان من فضله وقدرته.
ثم أراد باتخاذ الأسلوب (الموضوعي) في نقد أصحابه أمورا بالغة الخطورة، أهمها أن الموضوعية في النقد تخرج آراءه إخراجا توجيهيا حرا على نحو يضمن له السلامة من مسؤولية تقليد الخلافة وتبعات التعيين في ظاهر الحال، كما يضمن له - من ناحية ثانية - أخذ الجمهور بتوصياته والحرص
(١٧٠)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»
الفهرست