بينهما، فمن أخذهما معا أخذ بالهدى ومن اكتفى منهما بواحد فقد أضاع الجميع. فهما معا من الإسلام كالأجزاء من الحقائق المركبة، نقصان جزء منها يخرج المركب عن حقيقته، فيغير طعمه في المذاق ويذهب فائدته في الأثر، ناظرا - صلى الله عليه وآله - من هذا إلى أن الأمة أحوج إلى رجل القانون منها إلى القانون، بداهة أن القوانين سلطات معلقة لا تتنجز إلا أن ينجزها رجالها، ولا تثيب ولا تعاقب ولا تعلم ولا تربى إلا بعلمائها الأقوياء النافذين المسموعي الكلمة فإنها تهيأت القوانين ولم يتهيأ لها رجالها المخلصون بقيت معلقة لا تمنع فسادا، ولا ترد طغيانا.
قال المحدث: وشهد عمار في قصة هذا الكتاب أعجب ما يرى من بني حكيم حليم يبذل أقصى ما عنده من نصح، وأعجب ما يرى من أمة تبذل أقصى ما عندها من رفض هذا النصح ولكنه يرى النبي - وهو في ساعات النزع - يمضي إلى أمر ربه كالعهد به غير مصدود ولا منثن ولا متردد، لا يهوله الموت ولكن يهوله أن يرى إلى أمته تجمح، ويشفق عليها من جماحها ثم لا يملك لها من ساعاته الأخيرة إلا أنصح النصح وأهدى الهدى.
كانت الغرفة غاصة بالصحابة من مهاجرين وأنصار، وكان صدره الكريم غاصا بهموم الخلافة، ومصير العترة، وفتنة الأمة، وضياع الرسالة. ولم يكن القوم أقل اهتماما منه بهذه المشاكل وإن فكروا بها من زواياهم التي لا تلتقي وتفكير النبي