النجاح. صحيح أن الأحزاب كانت تهيئ في عهد النبي خططها لإقصاء علي، ولكن بيعة علي يوم الغدير وتدابير النبي لتسديد وصيه كانت من الأحكام بحيث يصعب نقضها وذلك هو مرد قول علي لعمه: وهل يطلب هذا الأمر غيرنا، فهو لا يجهل كثرة الطلاب، ولكنه يعلم صعوبة الطلب مع ثبوته له، ومع اعتراف الجمهور له بهذا الحق، ومن هنا كان إقدام عمر مغامرة جد جريئة ولكنه أجادها وأحسن التصرف فيها، فنجح وأعانته على النجاح روح المغامرة، وهيأ لأبي بكر أن يكون رجل الظرف في هذا اليوم الكبير، يتناول المبادرة من أقرب مكان وأسهل طريق.
أما براعة أبي بكر فلا تظهر في كلامه المقبول المعقول الواقعي الذي يدعو إلى احترامه، كما تظهر في قصر موقفه، إذ اكتفى برفع هذه الحيرة القاسية عن الناس ثم تركهم يثوبون إلى نفوسهم، أو ترك نفوسهم تثوب إليهم على مهل، وانصرف عنهم وهم يتمنون بقاءه ليرفع عنهم آخر ظلال تلك الحيرة، ولكنه هو لم يكن يتمنى ذلك بل يرجو أن تمتد آثار هذه الحيرة - بعد - زمنا ما. وحسبه هذه الاطلالة التي أراحت الناس وأعلنت لهم منه الرجل المعتدل المتزن العارف الممتلئ بالتفكير الإسلامي الصحيح.
ويظهر أن أبا بكر بعد إحراز هذه الخطوة من التقدم، أخذ على يد عمر، وخشي أن يورطه نجاحه هذا بموقف من مواقف مغامراته، يفسد خطة حزبه في هذه الفترة العصيبة الحاسمة،