حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١١٦
في شئ، إلا أنهم الآن واجمون، والنبي واجم يدير في جنده نظرة المطمئن الوادع رغم ما به من أوجاع المرض، وأوجاع الهموم، وإن بعضها لتذيب الحديد ناره، فهو على هذا نظر وادع مطمئن يدور في وجوه القوم زاخرا بالمعاني والذكريات، وهم واجمون وهو واجم مضت على ذلك لحظات قصار طوال، شوهد بعدها النبي يتناهض من مضجعه مستعينا بعلي على ما يقدر عليه من الجلوس، معصوب الرأس بعصابته الحمراء، ملتفا ببرده الحضرمي الأحمر، وتشرئب إليه الأعناق بأسماعها وأبصارها تنتظر الكلمة التي طالما هونت عليهم الموت، وجنحتهم بالعزائم والعظائم، وها هي الكلمة النبوية تلك تنبعث من تينك الشفتين، عذبة رقيقة حنونا فتقول: " أيها الناس - بهذا العتب الجميل بدأ - يوشك أن أقبض قبضا سريعا، وقد قدمت لكم القول - وبهذا الذوق العظيم أنب - معذرة إليكم، ألا وإني مخلف فيكم كتاب ربي، وعترتي أهل بيتي " ثم أخذ بيد علي فرفعها وقال: " هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي - بهذه المخالفة تقديما وتأخيرا أنشأ وحدة القرآن وعلي - لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ". وبهذا التأييد خوله كل صلاحياته وأعطاه ولاية من حقها أن تستخلف، ثم أدركه الجهد فاستند، وساد الصمت.
كلمته التي هونت عليهم الموت.. طالما هونت عليهم الموت من قبل، هي هذه الكلمة ذاتها، فما بالها - وهي وارية مؤثرة كالعهد بها تمس هذه النفوس ذواتها فلا تلهبها؟ ما بالها
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»
الفهرست