عن إيثار مصالح الشعب على مصالح (البيوت) وتقديم منفعة الكافة على منفعة الأفراد، ولكن الكافة لم تكن مهيأة في وقت لإدراك مصالحها المشتركة العامة إدراكا صوابيا سليما، وإنما هي خاضعة لآلاف المؤثرات الداخلية والخارجية التي تصرفها عن تعيين الصواب فيما ينفع الجميع أو يضرهم، هي مصروفة عن التفكير بالنفع العام بله إدراك صوابه بانصرافها إلى أعمالها اليومية في أحوالها العادية، وهي مصروفة عن إدراك الصواب في أيامها الكبار، بعصبياتها أو بخضوعها للعقل الجماعي وكثيرا ما يؤخذ ببهرج مزيف، أو بما إلى هذا وذاك من العوامل التي يندر في ظلها الصواب. من أجل هذا تقرر في رأي النبي، - أي في الإسلام - تعيين الحاكم حلا لهذه المشكلة وجبر التعيين - وله مظهر حكم الفرد - باختيار الأفضل عدلا وعلما وتدبيرا وتضحية وتعففا وتحررا من عبوديات الذات، ذلك ليستطيع تنفيذ الأحكام الإسلامية الشعبية الخالصة، وتطبيق خطة الحكم المحمدي الكافلة لهناء المجتمع وخيره.
ثم اتفق أن عليا هو أصلح المسلمين، وأوعاهم لمصالحهم المشتركة، وأقواهم على تمثل روح الإسلام علما وعملا، وما كان للنبي أن يرى الرجل المبدئي الصالح لدين الناس ودنياهم، ثم يتأخر عن توليته عليهم كما لم يكن لنبي أن ينحاز أو يتأثر بميل عاطفي وهو في حرم النبوة. من أجل هذا كله، وبناء على هذه المقدمات المسلمة عين عليا. عدل عن ترك الأمر الشورى لأنه رأى تركه كذلك معناه إلقاء الحكم في بحر