موقف زعيمه من حركة الإسلام ابتداء، وتواتر نفاقه انتهاء، ووضوح مطامعه في كل حال، لذلك اختبأ وراء ابن عمه عثمان، وخلف صهره عبد الرحمن بن عوف سيد بني زهرة، وأرسل من أفاعيه المغيرة بن شعبة وابنه معاوية، واتصل بأخلاط المشركين ممن دخلوا الإسلام كرها، وراق لهم أن يتخذوه سلما، ومضى يعمل على مهل لا يستطيل الوقت ولا تفوته الفرصة. استكبر بعدئذ أو أظهر استكبار خلافة أبي بكر - وهو أقل حي في قريش - فانضم إلى علي، فإذا رفضه علي، هدأ وتقرب إلى عمر بحزبه على دخل ومداهنة، فإذا قربه عمر وطالت به الأيام دفع المغيرة بن شعبة إلى اغتياله، ودفع هذا غلامه أبا لؤلؤة فاغتال عمر، ودفع عمر الخلافة ثمنا لاغتياله إلى أبي سفيان بيد عثمان. أبو سفيان قتل عمر وتسلم منه الخلافة، وعمر مغتبط محبور، لأن أبا سفيان يتملقه ويتجند لخصمه في ظاهر الأمر، ويتجند عليه وعلى خصمه معا في باطنه، وكان هذا الداهية زعيم حزب قائم في المدينة أيام النبي، يعرفه النبي ولا يجد عليه سبيلا لاستتاره.
ولا يخرج عن هذه الأحزاب في عاصمة النبوة إلا حزب الأقلية: علي ووراءه بنو هاشم، ونفر أحصيناهم فلم يزيدوا على سبعة، هم: سلمان الفارسي، وأبو ذر، وعمار، والمقداد، وخالد بن سعيد بن العاص الأموي، وفروة بن عمر الأنصاري، والزبير بن العوام. وقد شذ هذا الأخير بعد أن نشأ ابنه عبد الله متأثرا بهوى أمه أسماء بنت أبي بكر.