حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٠٣
مويهبة ليذيع في الناس والتاريخ هذه الصورة الرائعة من صور نضاله الرفيع، وليعلن رأيه بهذه الأحزاب المتحفزة المتوفرة للاستيلاء على سلطانه استيلاء يسوق فتنا كقطع الليل المظلم، وينشئ ردة هي شر من الشرك، ويؤلب عليه جبهة هي أضر من جبهة أبي جهل وأبي سفيان بالأمس.
قال المحدث: وكان عمار فقيها إلى جانب مزاياه الكثر، أدبه النبي فأحسن تأديبه، وأخرجه مثلا للمسلم القرآني الحر، فلا يأخذ عقيدته الإسلامية أخذا أعمى، وقد يجال رأيه في منصب الخلافة، فوجد أنه ملزم ما دام مسلما باتباع رأي النبي قولا وعملا وتقريرا، ووجد أن من رأي النبي في هذا المركز الخطير ربطه بالسماء، وإخضاعه للنص، ولعله رأى من رأي النبي في هذه المسألة أكثر من ذلك. لعله رأى النبي لا يرى نفسه صنع شيئا إذا لم يعين الخليفة تعيينا، ويختاره اختيارا، وهو لم ير هذا من رأي محمد، بل رآه من رأي النبي المعبر عن رأي الله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
وبعد أن رأى خضوع الخلافة للنص أمرا من صلب الدين في الكتاب والسنة، ورآه من الأمور الثابتة التي لا خيار في نسخها وتبديلها حتى للنبي، بعد هذا رأى النبي يبلغ هذا الحكم أحسن بلاغ ويجهد في النص ما لم يجهد بحكم من أحكام الإسلام قبله، ذلك لأنه نظام الأحكام كلها فإذا انفرط تناثرت الأحكام ضائعة الوحدة، مشتتة الشمل.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»
الفهرست