حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٠٢
وجد هذا الخليفة الراشد، أو لأن الله أوجد له هذا الخليفة وأمره بنصبه علما وإماما وحاكما، ولكنه حائر بين إرادة الله وإرادة المنافقين، وبين مصلحة الإسلام ومصلحة الطامعين، أراد الله عليا، وأباه المنافقون، وأرادته مصلحة الإسلام وفي ضمنها مصلحة المنافقين أنفسهم، ورفضته أنانيات النفعيين، فهو لذلك أرق مسهد طويل الليل طويل النهار.
قال المحدث: وكان عمار يعلم - فيمن علم - أمر هذا الأرق الذي يلح على النبي إلحاحا طالما أخرجه في هدأة الليل، وروعة الأسحار من بيته طائفا يفرج عن نفسه بشكوى الأحياء من حوله إلى الأرواح الحية من أهل القبور. حدث أبو مويهبة مولى رسول الله فقال: أرق النبي ذات ليلة، وألح عليه الأرق، فخرج وخرجت أسعى خلفه بأمر منه، فلما انتهى إلى (بقيع الغرقد) - مقبرة المدينة - وقف بين المقابر وقال:
(السلام عليكم يا أهل المقابر. ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى). فأي هم هذا الذي يرسل هذه الشكوى المرة على لسان محمد.. محمد لا غيره؟
وما هذا الجحيم الذي يهنئ الأموات على النجاة منه؟ وما هذه الردة التي يصفها بأنها شر من الشرك، الواقع أن البوح لا يعرف أصرح بوحا من هذا الذي يبثه النبي للأموات!. أترى أن النبي كان يستوحش من غشيان المقبرة منفردا لو أراد أن يكتم هذه الشكوى؟ ما أظن أحدا يتردد بأنه إنما صحب أبا
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست