غيره.
وكل ذلك كان جلت عظمته يعلمه حق العلم، ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطلع عليه لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا ولي ممتحن، وهذا المقام من العلم هو المعبر عنه في القرآن الكريم ب (أم الكتاب) المشار إليه وإلى المقام الأول بقوله تعالى: [يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب] (1).
ولا يتوهم الضعيف أن هذا الإخفاء والبداء يكون من قبيل الاغراء بالجهل وبيان خلاف الواقع، فإن في ذلك حكما ومصالح تقصر عنها العقول، وتقف عندها الألباب.
وبالجملة: فالبداء في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع، فكما أن لنسخ الحكم وتبديله بحكم آخر مصالح وأسرار بعضها غامض وبعضها ظاهر، فكذلك في الإخفاء والإبداء في عالم التكوين، على أن قسما من البداء يكون من اطلاع النفوس المتصلة بالملأ الأعلى على الشئ وعدم اطلاعها على شرطه أو مانعه، (مثلا) اطلع عيسى عليه السلام أن العروس يموت ليلة زفافه ولكن لم يطلع على أن ذلك مشروط بعدم صدقة أهله.
فاتفق أن أمة تصدقت عنه، وكان عيسى عليه السلام أخبر بموته ليلة عرسه فلم يمت، وسئل عن ذلك فقال: لعلكم تصدقتم عنه، والصدقة قد تدفع البلاء المبرم (2). وهكذا نظائرها.
وقد تكون الفائدة الامتحان وتوطين النفس كما في قضية أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.