أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ٢٢
السلام، ويؤمنون بأن الجنة والنار حق لا ريب فيهما، وأن الله تعالى سوف يبعث الموتى من قبورهم للحساب والجزاء، فإن الاعتقاد المتفاوت في ماهية الإمامة بين الطرفين شكل بالتالي نشوء ما نراه من التأويلات والتفسيرات المتفاوتة بتفاوت المدارس المختلفة، والتي يخالف البعض منها الآخر، بل ويستسلم البعض منها لآراء هجينة مردودة، لا تتوافق وحقيقة الاعتقاد التي ينبغي التسليم بها (1).

(١) لعل من الأمور التي تثير الاستغراب في نفوس الباحثين وجود جملة من أصحاب السنن والصحاح ومن استقى من منابعهم موارد بحثه دون تأمل أو تدبر قد وقع أسير جملة مردودة من الأخبار والروايات الموضوعة التي يشخص الكثير منها بانتمائه إلى الإسرائيليات التي جهدت أصابع أعداء الدين في رصفها مع جملة العقائد الاسلامية المباركة والمتوافقة مع العقل والمنطق والفطرة.
بل والأنكى من ذلك أن تجد من يتعبد بتلك النصوص الموضوعة، ويسلم بصحتها، ويؤمن بمضامينها، وذلك مما تنفطر تأسفا عليه القلوب، رغم إيمان ذلك البعض بالجوانب السليمة من تلك العقيدة المتنافية بشكل حاد مع تلك الآراء والمعتقدات الدخيلة، والذي يشكل دعوة صريحة وواضحة لمناقشة تلك الآراء مناقشة علمية رصينة، بعيدة عن التعصب والتشنج.
نعم إن تسرب هذه الإسرائيليات الموضوعة يشكل الطرف الأوضح في ظاهرة الفهم الخاطئ والتفسير السلبي لبعض النصوص القرآنية المباركة التي أصبحت محل الاختلاف في تفسير ورسم المفهوم الخاص لتلك المدارس في بعض العقائد التي يؤمن بها الجميع، وزادها تعقيدا تشبث تلك المدارس في الدفاع عنها، ورد الاعتراضات الموجهة إليها، واتهام المخالفين لها الانحراف والسقوط، رغم أن العقلاء من المسلمين يتسالمون على ما تشكله ظاهرة التحاور العلمي المبتني على أسس التشريع الاسلامي من مرتكز واضح المباني في التوصل إلى نتيجتين إيجابيتين، وهما التصحيح والتشذيب للمظاهر الدخيلة على العقائد الاسلامية، أو التسليم بصواب المنهج الآخر والاقرار بصحته، وذلك هو بغية كل المخلصين.
وإذا كانت هناك بعض المشخصات التي تعزى إلى ظاهرة التسرب جانب مهم في تبلورها وبنائها، فإن ما عرفه المسلمون مما يسمى بالتشبيه والتجسيم واحد من تلك الجوانب المشخصة الغريبة عن البنيان العقائدي للشريعة الاسلامية القائمة على التنزيه والتوحيد.
ولعل الأقرب للصواب في تحديد العلة الأساسية في تحليل ظاهرة التسرب يتأتى في دراسة الظروف المادية والنفسية التي رافقت نشوء هذه الظاهرة، وهذه العملية بلا شك تتطلب دراسة مستفيضة ومتخصصة لا يسعنا هنا الخوض في غمارها، إلا أن ما ذكره ابن خلدون في مقدمته يلقي شيئا من التوضيح على هذا الأمر، حيث قال: أن العلة الأساسية تكمن في كون العرب آنذاك لم يكونوا أهل كتاب، ولا علم، وأنما غلبت عليهم البداوة والأمية، إذا تشوفوا إلى معرفة شئ مما تتشوف إليه النفوس البشرية في أسباب المكنونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى مثل: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام.
بلى لقد كان ذلك الأمر ما يمكن اعتباره الطرف الأول في تلك الظاهرة محل البحث، وأما الطرف الآخر منها فيكمن بالجمود على الفهم السطحي المبتور لجملة تلك الآيات القرآنية أو الأخبار المختلفة، والتي تختلف بشكل بين مع الأصول العقائدية الاسلامية التي تحاول جاهدة الانتماء إليها، كما في حالة تفسير قوله تعالى: [وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة]، وقوله تعالى: [كل من عليها فإن ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام]، وقوله جل اسمه: [وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان] وغيرها.
أقول: ثم إن ما تولد من ذلك الفهم السلبي وأسمي بالتشبيه والتجسيم لا يمكن اعتباره بأنه يشكل ظاهرة جديدة طفحت على الساحة العقائدية لاتباع بعض المدارس الاسلامية، بل يبدو من الواضح للعيان تشكل جوانب منها لدى الأمم السالفة، كما في تشبيه النصارى المسيح عليه السلام بالله تبارك وتعالى، وإن كان الشهرستاني يقول في ملله (١: ٩٣):
بأن التشبيه كان صرفا خالصا في اليهود - لا في كلهم بل في القرائين منهم إذ وجد في التوراة ألفاظا كثيرة تدل على ذلك..
وأضاف في موضع آخر (١: ١٠٦) عند حديثه عن بعض أخبار التشبيه التي تداولها جماعة من أهل الحديث (وهو ما أردنا الإشارة إليه): وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله، وأكثرها مقتبسة من اليهود، فإن التشبيه فيهم طباع، حتى قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة! وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه!! وأن العرش ليئط من تحته كأطيط الرحل الحديد! إنتهى.
وأخيرا فإن استعراض ومناقشة جملة تلك الأخبار والروايات المختلفة التي أشرنا إليها يدل بصراحة على صحة وصواب ما ذهبنا إليه، هذا إذا اعتمد الباحث والدارس في الحكم عليها الأسس والقواعد المعروفة لدى علماء الأصول والجرح والتعديل.
فمن ذلك: الأخبار والروايات التي تزعم بأن الله تعالى خلق آدم عليه السلام على صورته، أو أن له سبحانه جوارح مشخصة كالأصابع والساق والقدم، وأن في ساقه سبحانه - علامة يعرف بها!.
بل وأنه تعالى يضع قدمه يوم القيامة في نار جهنم ليكف نهمها فتقول: قط قط!.
كما أنه جل اسمه يهبط في آخر الليل إلى السماء الدنيا! ويقول: من يسألني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فاغفر له.
يضاف إلى ذلك ما يروى من إمكان رؤيته تعالى حقيقة لا مجازا، حتى أن تلك الأخبار لا تكتفي بحصر رؤية الله تعالى برسوله الأكرم صلى الله عليه وآله حيث تذكر بأنه يرى الله سبحانه فيقع ساجدا له بل يتعداه ذلك الأمر إلى الجميع، حيث تورد بأنه جل وعلا يهبط يوم القيامة إلى العباد ليقضي بينهم! وذلك مصداق ما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: أنكم سترون ربكم عيانا، وأن المسلمين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر لا يضامون في رويته!.
والأغرب من ذلك كله ما يروى من أن الله تبارك وتعالى يأتي هذه الأمة يوم القيامة على هيئة غير هيئة التي يعرفونه بها، فينكرون ذلك عليه! حتى يأتيهم بالصورة التي يعرفونه بها فيتبعونه!
وغير ذلك. راجع: صحيح البخاري ٨: ٦٢ (كتاب الاستئذان) ٩: ١٥٦ (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: لما خلقت بيدي، وباب قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة) و ٢:
٦٦ (كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل)، صحيح مسلم ٤:
٢١٨٣
/ ٢٨٤١ و ٢٠١٧ / ١١٥ و ٢١٤٧ / ١٩، ٢٠، ٢١، ٢٢، و: ٢١٨٦ / ٣٥، ٣٦، ٣٧، ٣٨، ١: ٤٣٩ / ٢١١، ٢١٢، ١٦٣ / ٢٩٩، ٣٠٠، ٣٠٢، سنن ابن ماجة ١:
٦٤
/ ١٨٢ و: ٤٣٥ / ١٣٦٦ و ٤٤٤ / ١٣٨٨، ١٣٩٠، سنن الترمذي ٤: ٦٩١ / 2557 و 2:
307 / 446 و 4: 591 / 2382 و 4: 591 / 2382 و 4: 687 / 2551، 2552، مسند أحمد 2: 264، 267، 282، 482، 504، 3: 34، 4: 16، موطأ مالك 1: 214 / 30.
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 24 25 26 27 29 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الاهداء 5
2 مقدمة التحقيق 7
3 متن الكتاب 113
4 مقدمة الطبعة الثانية 115
5 مقدمة الطبعة السابعة 129
6 مدخل الطبعة الأولى 137
7 مناقشة الدكتور أحمد أمين في تقولاته 139
8 الشيعة من الصحابة 144
9 الشيعة من التابعين 149
10 مؤسسو علم النحو من الشيعة 152
11 مؤسسو علم التفسير من الشيعة 152
12 مؤسسو علم الحديث من الشيعة 152
13 مؤسسو علم الكلام من الشيعة 153
14 مؤسسو علم السير والآثار من الشيعة 154
15 مؤرخو الشيعة 154
16 شعراء الشيعة 155
17 الملوك والامراء والوزراء والكتاب الشيعة 159
18 الحديث عن الرجعة 167
19 الجنة لمن أطاع والنار لمن عصى 168
20 فرق الغلاة المنقرضة 172
21 الحديث عن عبد الله بن سبأ 179
22 نشأة التشيع 184
23 عقائد الشيعة أصولا وفروعا 210
24 وظائف العقل 218
25 التوحيد 219
26 النبوة 220
27 الإمامة 221
28 العدل 229
29 المعاد 232
30 وظيفة القلب والجسد 232
31 تمهيد وتوطئة 233
32 الصلاة 239
33 الصوم 242
34 الزكاة 243
35 الزكاة الفطرة 244
36 الخمس 245
37 الحج 247
38 الجهاد 249
39 الامر بالمعروف والنهي عن المنكر 251
40 المعاملات 252
41 عقود النكاح 253
42 نكاح المتعة 253
43 الطلاق 278
44 الخلع والمباراة 286
45 الظهار والايلاء واللعان 287
46 الفرائض والمواريث 288
47 الوقوف والهبات والصدقات 291
48 القضاء والحكم 293
49 الصيد والذباحة 296
50 ظريفة 298
51 الأطعمة والأشربة 299
52 الحدود 303
53 حد الزنا 303
54 حد اللواط والسحق 304
55 حد القذف 304
56 حد المسكر 305
57 حد المحارب 306
58 حدود مختلفة 306
59 القصاص والديات 309
60 الخاتمة 313
61 البداء 313
62 التقية 315
63 ملحقات الكتاب 321