أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ١٦٩
إن الله سبحانه خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا قريشا، ويروون عن أئمتهم عليهم السلام من أمثال ذلك ما يفوت حد الاحصاء (1).
(١) الغريب أن تجد من تبلغ به الغفلة أو السذاجة هذا الحد من الإسفاف والتطاول الأجوف على طائفة كبيرة من طوائف المسلمين، لها أصولها وعقائدها المعلنة والصريحة، والتي ليست هي في محاجر مكهربة، أو في أقبية سرية لا يطالها أحد ولا يستطيع الوصول إلى قراءة مضامينها باحث، بل هي بحمد الله تعالى تكتض بها المكتبات العامة والخاصة، وهي بمتناول الجميع دون استثناء، ناهيك بمن أراد التعرف عليها بصدق وحرص، فكيف بالله عليك تجد رجلا مثل أحمد أمين وهو الكاتب المعروف يتخبط هذا التخبط المخزي وهو يتحدث عن عقائد الشيعة، فتبلغ به الغفلة هذا الحد وهذا المستوى من الطعن الرخيص والباهت. فمن أين له إثبات مدعاه هذا، والذي يستثير حتى عوام الناس لا مثقفيهم فحسب، والذي يتناقض تناقضا صريحا مع مفهوم الشريعة الاسلامية التي ترتكز عليها العقائد الشيعية، بل وتنبعث منها. فمن لا يعلم أن الإيمان والعمل مقترنان كل واحد منها بالآخر، لأن العمل هو الترجمة الواقعية للإيمان، والتجسيد الفعلي له، بل ومن لا يعلم أن لا نجاة يؤمئذ إلا بعمل وتقوى؟!.. نحن نعتقد أن من لا يقول بذلك غير عاقل، فكيف بالشيعة وهم يستقون علومهم من دوحة النبوة وشجرتها الوارفة، أي أهل البيت عليهم السلام، الذين هم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعدول القرآن، وأمناء الرسالة!
كما أنه ليس في الشيعة من أدناها إلى أقصاها من لا يعلم بذلك، وها أنت ترى الملتزمين منهم يصلون، ويصومون، ويحجون، ويسارعون في الخيرات، ويجتنبون المحارم والموبقات.
بل وهذه كتب الإمامية التي لا عد لها ولا حصر تنادي بتقوى الله تعالى واتباع أوامره.
آلاف الأحاديث وآلاف الأخبار المنقولة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كلها تنحو هذا المنحى الثابت الذي أشرنا إليه.
ثم ولعل هذا الأمر هو ما فات صاحب فجر الاسلام وقد يفوت غيرة إن أردنا أن نمنحهم العذر في ذلك لعله قد طرق سمع الدكتور أحمد أمين، أو قرأ بعض الأخبار المنقولة في جملة من المصادر الحديثية المنوهة بفضل الشيعة، والإشادة بمنزلتهم، فتصور أن الأمر هذا يقع على كل من تسمى باسم الشيعة، أي سريانه على كل من يعده العرف شيعيا اسما لا واقعا.. فإذا كان كذلك تصوره فإن هذا هو الداء العياء، والخلط العظيم.
إن التشيع لأهل البيت عليهم السلام لا يقترن إلا بالعمل الصالح واتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن نواهيه، ودون ذلك فلا معنى للتشيع واقعا إلا تسمية، وهذه التسمية المجردة لا تغني عن الحق شيئا، ولا تعدو كونها انتحال من غير اتصاف.
نعم إن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد بينوا ذلك بوضوح في أكثر من مناسبة ومكان، من خلال العديد من الأخبار والروايات الصحيحة، والتي سنحاول أن نورد البعض منها ليطلع عليها من انخدع ببريق كلمات هؤلاء الكتاب دون الرجوع للتثبت من صحة ذلك إلى كتب الشيعة نفسهم، لا بالواسطة:
فقد روى الكليني في الكافي (٢: ٧٣) بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قوله لأصحابه: " لا تذهب بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل ".
وروى في موضع آخر (٢: ٧٤): بسنده عن جابر، عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام قوله لجابر: " يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟! فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا: بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس، إلا من خير...
يا جابر، فوالله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لا حد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا تنال ولا يأتنا إلا بالعمل والورع ".
وقوله عليه السلام (الكافي ٢: ٧٥): " والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حجة، ولا يتقرب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه ولا يأتنا ".
أقول: هؤلاء أئمتنا وسادتنا وقادتنا، بهم نهتدي، وبنور علمهم نقتدي، وهذا هو دينهم الذي ندين به، وهو الاسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله، بل وهذه هي أخلاقهم ليست بخافية على أحد، فهل لأحد أن يقول ما يخالف ذلك إلا أن يكون مغررا أو كاذبا.
فإذا كنا كشيعة نتلمس خطا أئمة أهل البيت عليهم السلام، ونتبع هداهم، فإن ذلك الأمر يعني بالتالي اتباع الخط الإلهي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله من قبل الله تعالى باتباع الدليل الذي أمرنا به هو صلى الله عليه وآله باتباعه، وحثنا على التمسك به دون تسمية غيره، أو مجرد الإشارة إليه، وإلى ذلك يشير بوضوح قوله صلى الله عليه وآله: " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". أنظر: سنن الترمذي ٥: ٦٦٢ / ٣٧٨٦ و ٦٦٣ / ٣٧٨٨، مسند أحمد ٣: ١٧ و ٥: ١٨١، مستدرك الحاكم ٣: ١٠٩ و ١٤٨، أسد الغابة ٢: ١٢.
وإذا كان الشيعي من المتمسكين بهذا الحبل المتين، ومن الآخذين بجنبة أهل هذا البيت الطاهر، ومن المتمثلين لأوامرهم التي هي بالتالي عين أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله، المتلقاة من قبل الله تعالى [وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون] فلماذا نشكل عليه هذا الفضل، وهذه الكرامة التي وعد بها.