الرابع: العياشي بإسناده عن عبد الله بن محمد قال: كتب إلي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): ذكرت رحمك الله هؤلاء القوم الذين وصفت أنهم كانوا بالأمس لكم إخوانا والذي صاروا إليه من الخلاف لكم والعداوة لكم والبراءة منكم والذين تأفكوا به من حياة أبي عبد الله صلوات الله عليه ورحمته، وذكر في آخر الكتاب إن هؤلاء سنح لهم شيطان اغترهم بالشبهة ولبس عليهم أمر دينهم وذلك لما ظهرت فريتهم واتفقت كلمتهم وكذبوا على عالمهم وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم وقالوا لم ومن وكيف فأتاهم الهلك من مأمن احتياطهم وذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير ورد ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه، لأن الله يقول في محكم كتابه: * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * يعني آل محمد وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم الحجة لله على خلقه (1).
الخامس: الشيخ المفيد في كتاب " الاختصاص " عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنما مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومثلنا من بعده في مثل هذه الأمة كمثل موسى النبي والعالم (عليهما السلام) حيث لقيه واستنطقه وسأله الصحبة فكان من أمرهما ما اقتصه الله لنبيه في كتابه، وذلك أن الله قال لموسى (عليه السلام) * (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين) * ثم قال: * (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ) * وقد كان عند العالم علم لم يكتبه لموسى في الألواح، وكان موسى (عليه السلام) يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في نبوته وجميع العلم قد كتب له في الألواح كما يظن هؤلاء الذين يدعون أنهم علماء فقهاء وأنهم قد أوتوا جميع العلم والفقه في الدين مما تحتاج هذه الأمة إليه فصح لهم ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلموه وحفظوه وليس كل علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) علموه ولا صار إليهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا عرفوه، وذلك أن الشئ من الحلال والحرام والأحكام قد يرد عليهم فيسألون عنه فلا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيستحون أن ينسبهم الناس إلى الجهل، ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبون، فطلب الناس العلم من معدنه فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله وتركوا الآثار ودانوا الله بالبدع وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل بدعة ضلالة، فلو أنهم إذا سئلوا عن شئ من دين الله فلم يكن عندهم فيه أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطون منهم من آل محمد والذي يمنعهم من طلب العلم منا العداوة والحسد، والله ما حسد موسى العالم