وفي المفرغ الذي ليس فيه إلا الحكم، لم يجز تقدمه عليه، واعلم، أيضا أنه لا يلزم أن يكون العامل في المستثنى هو العامل في المستثنى منه، بل قد يختلفان، كما في قولك: القوم إلا زيدا اخوتك، وهذا عند من جعل العامل في المبتدأ الابتداء، لا الخبر، قوله: (أو منقطعا في الأكثر) أي منقطعا بعد (الا) نحو: ما في الدار أحد إلا حمارا، أهل الحجاز يوجبون نصبه مطلقا، لأن بدل الغلط غير موجود في الفصيح من كلام العرب، وبنو تميم قسموا المنقطع قسمين: أحدهما ما يكون قبله اسم متعدد أو غير متعدد يصح حذفه، نحو: ما جاءني القوم إلا حمارا وما جاءني زيد إلا عمرا، فههنا يجوزون البدل، ثم إن ذلك الاسم الذي يجوز حذفه، إما أن يكون مما يصح دخول المستثنى فيه مجازا، أو، لا، فالأول نحو قولك: ما في الدار أحد إلا حمارا، يصح أن يجعل الحمار إنسان الدار، كما قال أبو ذؤيب:
211 - فإن تمس في دار برهوة ثاويا * أنيسك أصداء القبور تصيح 1 ومثله: ما لي عتاب إلا السيف، فلسيبويه في مثل هذا وجهان إذا أبدلت ، أحدهما جعل المنقطع كالمتصل، لصحة دخول المبدل في المبدل منه، والثاني أن الأصل في نحو:
لا أحد فيها إلا حمارا أن يقال: ما فيها إلا حمار، أي ما فيها شئ إلا حمار، لكنه خصص بالذكر من جملة المستثنى منه المحذوف، المتعدد، ما ظن استبعاد المخاطب شمول المتعدد المقدر له، كأنك تظن أن المخاطب يستبعد خلوها من الآدمي، فقلت لا أحد فيها، تأكيدا لنفي كون الآدمي بها، فلما ذكرت ذلك المستبعد، أبقيت ذلك المستثنى على ما كان عليه في الأصل، من الاعراب، تنبيها على الأصل وجعلته بدلا من ذلك المذكور، فعلى هذا، لا يكون هذا من قبيل الاستثناء المتصل كما كان في الوجه الأول،