فالجواب أن ذلك فيها عارض، وكان أصلها أن تكون بمعنى: ما ثبت، وما حصل فتفيد معنى في نفسها كسائر الأفعال التامة، فإفادتها للكون المنفي في غيرها وإفادة لفظ كان للكون المثبت في غيرها، عارضة، كتجرد عسى، وبئس، عن الزمان، كما سبق في أول الكتاب 1، فإن قلت 2: فإذا لم يجز الجر، ولا النصب فيما بعد (إلا)، في نحو: ما زيد بشئ إلا شئ لا يعبأ به، ولم يجز النصب في نحو: ما زيد شيئا إلا شئ لا يعبأ به، فما وجه الرفع؟،.
قلت: المبتدأ والخبر يترافعان، كما سبق في حد الأعراب، إلا أن النواسخ إذا دخلت على المبتدأ والخبر، غلبتهما 3، لكن يبقى عملهما تقديرا، إذا كان العامل حرفا، لضعفه، فمن ثم، إذا كان العامل حرفا لا يغير معنى، جاز اعتبار ذلك المقدر، بلا ضرورة، نحو: ان زيدا قائم وعمرو، وإن غير المعنى فلا يعتبر ذلك المقدر، إلا إذا اضطر إليه، كما نحن فيه، فإنه لم يبق طريق إلا اعتبار ذلك المقدر، وسهل ذلك الاعتبار:
ضعف (ما) الحجازية في العمل، لعدم لزومها أحد القبيلين، كسائر العوامل، ولذا لم يعملها بنو تميم، وهو القياس، ولضعفها في العمل، تلغى بتقدم الخبر، وبتوسط (إن) بينها وبين المعمول، لكن إذا وجدت مندوحة، لم نحمل على هذا الاعراب المحلي، فلا يقال: ما زيد رجلا ظريف، ولا: ما هو رجلا وامرأة بالرفع، لأن الحمل على الاعراب المحلي القوي، إذا وجد إعراب ظاهر: مرجوح غير كثير، كما في:
أعجبني ضرب زيد وعمرا، حتى قال بعضهم لا يجوز، فكيف بالمحلي الضعيف 4؟
فأما إذا اضطر إلى الحمل عليه، كما في نحو: ما زيد بشئ إلا شئ، وفي نحو: ما زيد بقائم أو قائما،