هذا كله على فرض وقوع مخالفة الطلب السابق، وأما على فرض إطاعته فالأمر أوضح.
وأما على الأول: فلا شبهة في امتناع الاجتماع على أول شقيه، وهو صورة ارتكاب سبب الفعل، فإن النهي السابق وإن ارتفع بعد الاضطرار إلى فعل المنهي عنه الناشئ عن اتحاد سببه، بل لا يعقل بقاؤه، إلا أن أثره - وهو وقوع ذلك الفعل عصيانا - باق على حاله، وذلك لأن التكليف المتعلق بفعل إنما تتحقق مخالفته بارتكاب ذلك الفعل في وقت وجوب الاجتناب عنه إذا كان ذلك التكليف نهيا، أو بتركه في وقت وجوب الإتيان به إذا كان ذلك التكليف أمرا، ومن المعلوم أن الأفعال - التي هي من مقولة ذوات الأسباب - إذا تعلق بها أمر أو نهي يكون وقت الإتيان بها أو تركها بعد زمن إيجاد أسبابها، فكما أن امتثالها إنما يتحقق في ذلك الزمان لا غير، فكذلك عصيانها لا يقع إلا فيه لا قبله، بحيث لو فرض أن المكلف أتى بشيء قبل ذلك الزمان بسوء اختياره موجب لسلب قدرته على امتثالها في ذلك الزمان، فلا يكون إتيانه بذلك الشيء مخالفة حقيقية للتكليف المتعلق بها، بل إنما هو مخالفة حكمية، بل المخالفة الحقيقية إنما هي بترك تلك الأفعال أو ارتكابها في ذلك الزمان ولو كان ذلك بسبب سلب اختياره عن نفسه قبله بسوء اختياره، ولما كان المفروض فيما نحن فيه كون متعلق النهي من مقولة تلك الأفعال وإتيان المكلف بما أوجب اضطراره إلى ارتكابه في وقت وجوب الاجتناب عنه، فيكون ارتكابه له في ذلك الوقت عصيانا لذلك النهي، وإن كان النهي لا يعقل بقاؤه بعد الاضطرار إلى ارتكاب متعلقه ولو كان بسوء اختيار المكلف، إلا أن مخالفته لا تتحقق في مثل تلك الأفعال إلا على هذا النحو ولو لا ذلك لزم أن لا يعصي أحد بارتكاب المحرم الذي هو من مقولة ذوات الأسباب، نظرا إلى ان الإتيان بما أوجب ارتكابه ليس عصيانا له، فإذا فرض عدم تحقق العصيان بارتكاب نفس المحرم بعد ارتكاب ذلك السبب بتوهم أن