تقديرها إنما هي بين () مقتضاهما وآثارهما، فلا بد - حينئذ - من ملاحظة أن بين مقتضاهما تناف، حتى يختص إحداهما بمقتضاها، أو لا، فيترتب على كليهما مقتضاهما، فنقول: إن مقتضاهما في مورد البحث إنما هو الطلب، فإن مقتضى المفسدة إنما هو طلب الترك، ومقتضى المصلحة هو طلب الفعل، وهما أعني الأمر والنهي إنما يتنافيان () ويمنع اجتماعهما في مورد واحد إذا كان موضوع كل منهما في عرض موضوع الآخر وفي مرتبته، فهناك إنما هو مورد كسر مقتضى أحدهما لمقتضى الآخر، كما في الكذب النافع، وأما إذا كان موضوع أحدهما في طول موضوع الآخر فلا، ولو منع فرض اتحاد الموضوعين في الخارج، وما نحن فيه من قبيل القسم الثاني، لأن مقتضى مصلحة سلوك الطريق هو الأمر بسلوك الطريق والعمل بمؤداه على أنه (هو) () الواقع، لا على أنه حكم آخر وراء الواقع ومن المعلوم أن الأخذ بمؤداه والعمل به كذلك إنما هو بعد الفراغ عن الحكم الواقعي الذي هو مقتضى المفسدة المفروضة.
وبعبارة أخرى: إن الكلام في نصب الشارع للطريق الظني طريقا إلى أحكامه الصادرة منه، وفي أمره بتشخيص تلك الأحكام منه بعد فراغه عن جعل تلك الأحكام وتوجيه الخطابات بحسب ما يقتضيها من المصالح والمفاسد، فعالم أمره بسلوك الطريق مغاير لعالم الخطابات الواقعية، ومتأخر عنه بحسب الجعل، بل موضوعه لا يتحقق إلا بفرض صدور تلك الخطابات قبله، لأن موضوعه هو العمل بالظن بعنوان كونه طريقا إلى واقع مجعول مشترك بين العالم والجاهل، فيتوقف تحققه على صدور حكم مشترك كذلك قبله.
والحاصل: أن الكسر والانكسار بين المصلحة والمفسدة المجتمعين في مورد