ومنها: العموم الاستغراقي في أحدهما أو في شيء من متعلقاتهما إذا لم يكن بواسطة أدوات العموم، بل من جهة وقوع الطبيعة في حيز النفي، لكن لا ينبغي التأمل في أن الملحوظ في مورديهما إنما هو نفس الطبيعة لا غير، وإنما عرض ذلك العمومان فيها من جهة نفي الطبيعة أو إثباتها.
وبعبارة أخرى: إنهما من لوازم نفي الطبيعة من حيث هي، أو إثباتها كذلك عقلا من غير تعلق القضية بهما من المتكلم في ذلك الكلام، بأن يكونا مرادين له منه، بل المراد منه إنما هو نفس الطبيعة لا غير، فعلى هذا فلا بد من إبقائهما في جانب المفهوم واعتبار نفس الطبيعة من حيث هي فيه، فإنها هي التي قد لوحظت في جانب المنطوق، ولذلك قيدنا القيود والاعتبارات بما يرد عليها النفي أو الإثبات في المنطوق.
ومن هنا يظهر أن مفهوم قولنا: - إن جاءك زيد فأكرم عالما - يخالف مفهوم قولنا: - إن جاءك زيد فأكرم أي عالم - وكذا يخالف مفهوم قولنا: - إن جاءك زيد فلا تكرم عالما - مثلا مفهوم قولنا: إن جاءك زيد فلا تكرم العلماء أو كل عالم.
أما الأولان: فلأن الملحوظ في الجزاء في أولهما لما كان نفس الطبيعة من حيث هي في جانب المنطوق فيكون المأخوذ في جانب المفهوم - أيضا - هي كذلك، ولما كان المنطوق موجبا فيكون المفهوم منفيا، ولازم نفي الطبيعة من حيث هي انتفاء جميع أفرادها على نحو الاستغراق، فيكون المفهوم عموم سلب الجزاء عند انتفاء الشرط، هذا بخلاف الثاني منهما، إذ الملحوظ في الجزاء فيه في جانب المنطوق إنما هي الأفراد على نحو العموم البدلي، فيكون المأخوذ في جانب المفهوم هي - أيضا - كذلك.
ومن المعلوم أن نفيها كذلك لا يستلزم عموم نفي الجزاء عنها على نحو الاستغراق، لتحققه بنفيه عن خصوص بعض الأفراد - أيضا - كما لا يخفى،