الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب " البيان والتبيين " وفي غيره من كتبه (1).
وقال في ذيل الكتاب 35: انظر إلى الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها، وتملكه زمامها، وأعجب لهذه الألفاظ المنصوبة، يتلو بعضها بعضا كيف تؤاتيه وتطاوعه، سلسة سهلة، تتدفق من غير تعسف ولا تكلف، حتى انتهى إلى آخر الفصل فقال: " يوما واحدا، ولا ألتقي بهم أبدا ". وأنت وغيرك من الفصحاء إذا شرعوا في كتاب أو خطبة، جاءت القرائن والفواصل تارة مرفوعة، وتارة مجرورة، وتارة منصوبة، فإن أرادوا قسرها بإعراب واحد ظهر منها في التكلف أثر بين، وعلامة واضحة وهذا الصنف من البيان أحد أنواع الإعجاز في القرآن، ذكره عبد القاهر قال:
انظر إلى سورة النساء وبعدها سورة المائدة، الاولى منصوبة الفواصل والثانية ليس فيها منصوب أصلا، ولو مزجت إحدى السورتين بالاخرى لم تمتزجا، وظهر أثر التركيب والتأليف بينهما، ثم إن فواصل كل واحد منهما تنساق سياقة بمقتضى البيان الطبيعي لا الصناعة التكلفية.
ثم انظر إلى الصفات والموصوفات في هذا الفصل، كيف قال: ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا، لو قال: ولدا كادحا، وعاملا ناصحا، وكذلك ما بعده لما كان صوابا ولا في الموقع واقعا.
فسبحان الله من منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة! أن يكون غلام من أبناء عرب مكة ينشأ بين أهله، لم يخالط الحكماء وخرج أعرف