٤ / ٣ صفات المتقين ٥٦١٧ - نهج البلاغة: من خطبة له (عليه السلام) يصف فيها المتقين. روي أن صاحبا لأمير المؤمنين (عليه السلام) يقال له: همام كان رجلا عابدا، فقال له: يا أمير المؤمنين، صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم. فتثاقل (عليه السلام) عن جوابه ثم قال: يا همام!
اتق الله وأحسن ف ﴿إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾ (1) فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم قال (عليه السلام):
أما بعد؛ فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم، آمنا من معصيتهم؛ لأنه لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه.
فقسم بينهم معايشهم، ووضعهم من الدنيا مواضعهم. فالمتقون فيها هم أهل الفضائل؛ منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع. غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء. ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين؛ شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب.
عظم الخالق في أنفسهم؛ فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها؛ فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون. قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة.
صبروا أياما قصيرة، أعقبتهم راحة طويلة. تجارة مربحة يسرها لهم ربهم.