تعملها وأفكر فيها، وأعمل رويته في رصفها ونثرها، فلقد أتى بالعجب العجاب، ووجب أن يكون إمام الناس كلهم في ذلك، لأنه ابتكره ولم يعرف من قبله وإن كان اقتضبها ابتداء، وفاضت على لسانه مرتجلة، وجاش بها طبعه بديهة، من غير روية ولا اعتمال، فأعجب وأعجب!
وعلى كلا الأمرين فلقد جاء مجليا، والفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره.
وبحق ما قال معاوية لمحقن الضبي، لما قال له: جئتك من عند أعيى الناس: يا بن اللخناء، ألعلي تقول هذا؟! وهل سن الفصاحة لقريش غيره؟!
واعلم أن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب، وصاحبه منسوب إلى السفه، وليس جاحد الامور المعلومة علما ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظرية عليها (1).
وقال أيضا في ذيل الخطبة 91 - التي تعرف بخطبة الأشباح -: " إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل "! إذا جاء هذا الكلام الرباني واللفظ القدسي بطلت فصاحة العرب وكانت نسبة الفصيح من كلامها إليه نسبة التراب إلى النضار الخالص، ولو فرضنا أن العرب تقدر على الألفاظ الفصيحة المناسبة أو المقاربة لهذه الألفاظ، من أين لهم المادة التي عبرت هذه الألفاظ عنها؟! ومن أين تعرف الجاهلية بل الصحابة المعاصرون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه المعاني الغامضة السمائية ليتهيأ لها التعبير عنها؟!
أما الجاهلية فإنهم إنما كانت تظهر فصاحتهم في صفة بعير أو فرس أو حمار وحش أو ثور فلاة أو صفة جبال أو فلوات ونحو ذلك.
وأما الصحابة فالمذكورون منهم بفصاحة إنما كان منتهى فصاحة أحدهم