قلت: بلى.
قال: فكذلك علي (عليه السلام) خلفه النبي (صلى الله عليه وآله) حين خرج إلى غزاته في الضعفاء والنساء والصبيان إذ (١) كان أكثر قومه معه، وإن كان قد جعله خليفة على جميعهم، والدليل على أنه جعله خليفة عليهم في حياته إذا غاب وبعد موته قوله (صلى الله عليه وآله): " علي مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي "، وهو وزير النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا بهذا القول؛ لأن موسى (عليه السلام) قد دعا الله تعالى وقال فيما دعا: ﴿واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزرى * وأشركه في أمري﴾ (2) فإذا كان علي (عليه السلام) منه (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى فهو وزيره، كما كان هارون وزير موسى، وهو خليفته، كما كان هارون خليفة موسى (عليه السلام).
ثم أقبل على أصحاب النظر والكلام فقال: أسألكم أو تسألوني؟ فقالوا: بل نسألك. فقال: قولوا.
فقال قائل منهم: أليست إمامة علي (عليه السلام) من قبل الله عز وجل، نقل ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نقل الفرض مثل الظهر أربع ركعات، وفي مائتي درهم خمسة دراهم، والحج إلى مكة؟ فقال: بلى.
قال: فما بالهم لم يختلفوا في جميع الفرض، واختلفوا في خلافة علي (عليه السلام) وحدها؟
قال المأمون: لأن جميع الفرض لا يقع فيه من التنافس والرغبة ما يقع في الخلافة.