وجيرانهم، ولا يرى أحد منهم قانعا بعيشه، ولا راضيا بحاله، بل يستزيد ويطلب حالا فوق حاله.
قال: فإذا عرفت هذه المقدمة، فمعلوم أن عليا (عليه السلام) كان مستحقا محروما، بل هو أمير المستحقين المحرومين، وسيدهم وكبيرهم، ومعلوم أن الذين ينالهم الضيم، وتلحقهم المذلة والهضيمة، يتعصب بعضهم لبعض، ويكونون إلبا ويدا واحدة على المرزوقين الذين ظفروا بالدنيا، ونالوا مآربهم منها، لاشتراكهم في الأمر الذي آلمهم وساءهم، وعضهم ومضهم، واشتراكهم في الأنفة والحمية والغضب والمنافسة لمن علا عليهم وقهرهم، وبلغ من الدنيا ما لم يبلغوه.
فإذا كان هؤلاء - أعني المحرومين - متساوين في المنزلة والمرتبة، وتعصب بعضهم لبعض، فما ظنك بما إذا كان منهم رجل عظيم القدر جليل الخطر كامل الشرف، جامع للفضائل محتو على الخصائص والمناقب، وهو مع ذلك محروم محدود، وقد جرعته الدنيا علاقمها، وعلته عللا بعد نهل من صابها وصبرها، ولقي منها برحا بارحا، وجهدا جهيدا، وعلا عليه من هو دونه، وحكم فيه وفي بنيه وأهله ورهطه من لم يكن ما ناله من الإمرة والسلطان في حسابه، ولا دائرا في خلده، ولا خاطرا بباله، ولا كان أحد من الناس يرتقب ذلك له ولا يراه له.
ثم كان في آخر الأمر أن قتل هذا الرجل الجليل في محرابه، وقتل بنوه بعده، وسبي حريمه ونساؤه، وتتبع أهله وبنو عمه بالقتل والطرد والتشريد والسجون، مع فضلهم وزهدهم وعبادتهم وسخائهم، وانتفاع الخلق بهم.
فهل يمكن ألا يتعصب البشر كلهم مع هذا الشخص؟! وهل تستطيع القلوب ألا تحبه وتهواه، وتذوب فيه وتفنى في عشقه، انتصارا له، وحمية من أجله، وأنفة مما ناله، وامتعاضا مما جرى عليه؟! وهذا أمر مركوز في الطبائع،