التواء، وإنما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب مع ضميره الحي، وابتعد عن المنعطفات التي لا يقرها دينه وخلقه، وكان من ألوان ذلك السلوك النير أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل، وأحاطه علما بهلاك معاوية، وطلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام، فامتنع (ع) وصارحه بالواقع قائلا:
" يا أمير إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله... ".
وكشف هذه الكلمات عن مدى صراحته، وسمو ذاته، وقوة العارضة عنده في سبيل الحق.
ومن ألوان تلك الصراحة التي اعتادها وصارت من ذاتياته أنه لما خرج إلى العراق وافاه النبأ المؤلم وهو في أثناء الطريق بمقتل سفيره مسلم ابن عقيل، وخذلان أهل الكوفة، فقال للذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق:
" قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه ذمام... ".
فتفرق عنه ذوو الأطماع، وبقى مع الصفوة من أهل بيته (1) لقد تجنب (ع) في تلك الساعات الحرجة التي يتطلب فيها إلى الناصر الاغراء والخداع مؤمنا ان ذلك لا يمكن أن تتصف به النفوس العظيمة المؤمنة بربها والمؤمنة بعدالة قضيتها.
ومن ألوان تلك الصراحة أنه جمع أهل بيته وأصحابه في ليلة العاشر من المحرم، فأحاطهم علما بأنه يقتل في غد، ويقتل جميع من كان معه صارحهم بذلك ليكونوا على بصيرة وبينة من أمرهم، وأمرهم بالتفرق