وقد بصر شقيقته عقيلة بني هاشم، وقد أذهلها الخطب، ومزق الأسى قلبها، فسارع إليها، وأمرها بالخلود إلى الصبر والرضا بما قسم الله.
ومن أهوال تلك الكوارث التي صبر الامام عليها أنه كان يرى أطفاله وعياله، وهم يضجون من ألم الظمأ القاتل، ويستغيثون به من أليم العطش فكان يأمرهم بالصبر والاستقامة، ويخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤل إليها أمرهم بعد هذه المحن الحازبة.
وقد صبر على ملاقاة الأعداء الذين ملئت الأرض جموعهم المتدفقة، وهو وحده يتلقى الضرب والطعن من جميع الجهات، قد تفتت كبده من العطش وهو غير حافل بذلك كله.
لقد كان صبره وموقفه الصلب يوم الطف من أندر ما عرفته الانسانية يقول الأربلي: " شجاعة الحسين يضرب بها المثل، وصبره في الحرب أعجز الأوائل والأواخر " (1).
إن أي واحدة من رزاياه لو ابتلى بها أي انسان مهما تدرع بالصبر والعزم وقوة النفس لأوهنت قواه واستسلم للضعف النفسي، ولكنه (ع) لم يعن بما ابتلي به في سبيل الغاية الشريفة التي سمت بروحه أن تستسلم للجزع أو تضرع للخطوب، يقول المؤرخون: إنه تفرد بهذه الظاهرة، فلم توه عزمه الاحداث مهما كانت، وقد توفى له ولد في حياته فلم ير عليه أثر للكآبة فقيل له في ذلك فقال (ع):
" إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا " (2)