معد؟ غبار النسيان. وفي عبقرياتهم كل لون وكل اختصاص. بينهم الأديب والمهندس والفلكي والفيلسوف والقاضي والفقيه والأصولي وغيرهم ممن اشتركوا في رفع بناء الحضارة العربية الإسلامية. هؤلاء كلهم ينتظرون أن يأتي دورهم ليخرجوا إلى الوعي العربي، بالثوب القشيب، والأسلوب القريب، والعناية البالغة، والإخلاص الذي يجب أن يتوفر لكل محقق وباحث.
وكما أن الغرب قد بدأ موجته الحضارية الجديدة بإحياء التراث اليوناني اللاتيني، والكشف عن مواطن العبقرية والمعرفة الشاملة في بطون كتب هاتين الأمتين. وكما أن الأدب الغربي، والفلسفة الغربية، والعلم الغربي، قد جعلت من تراث اللاتين واليونان قاعدة لانطلاق موجتهم الحديثة.
فكان أدب الخالدين من الغربيين إحياء لأساطير اليونان واللاتين وبطولاتهم بثوب حديث أضفى عليها جدة الحياة وماءها. وكانت فلسفة بناة الموجة الفكرية الجديدة ابتداء من ديكارت، وكانت علوم رواد الاختبار والتجربة ابتداء من كوبرنيكوس وغاليلو، تفاعلا مع فلسفة الأقدمين وعلومهم وتقويما لها أو ثورة عليها.
كما حدث هذا كله في الغرب، فإن شيئا من مثله قد بدأ يحدث في الشرق العربي. لقد بدأ الناس هنا يعيدون النظر في ماضيهم. بدأوا يرون في هذا الماضي قاعدة صالحة لعملية انطلاق جديدة. فلم يعد التاريخ العربي في نظرهم مدى زمنيا يحف به الضباب وتكتنفه من جوانبه الألغاز والأحجيات. بل هبت عليه من كل جانب ريح سافية، طردت الضباب ورفعت الألغاز، وأزالت الأحجيات، فبان ما تحتها ووراءها واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار. لقد وضحت رسالة الإنسان العربي إلى