فكما أنهم جعلوا من التاريخ في أمتهم، سلاحا إيجابيا لحفز المواطن على الابداع والخلق العظيم، فقد جعلوا منه في غير أمتهم سلاحا سلبيا لقتل الحوافز النبيلة الطيبة في نفس المواطن الجديد.
العناية بالتاريخ في الوطن الأم قدس من أقداس الوطنية. ومحاولة تهديم التاريخ، وتشويهه، أو عزله عند الحاجة عن أبنائه في البلاد المستعمرة، قدس من أقداس الوطنية عند هذه الأمة بالذات. فإذا بالإدارة الاستعمارية كلها، بما تملكه من المال والخبراء والجنود ورجال الإدارة، بهؤلاء جميعا، تحاول أن تطفئ نور تاريخ الأمة التي تستعمرها. فإذا عجزت، عزلت هذا التاريخ عزلا شديدا دون رحمة أو شفقة. فيبقى أفراد الأمة المستعمرة وكأنهم في متاهة، يسيرون، ويسيرون، حتى يصيبهم الاعياء، فيسقطون يأسا وأسفا وألما.
وتاريخ الاستعمار الغربي في البلاد العربية شاهد على هذه الحقيقة.
ولعل استعراضنا لما كان يحدث خلال عهد الانتداب الفرنسي في لبنان يكون أقرب الأدلة على صحة ما نقول.
لقد كنت أنا شخصيا موضوعا لهذا التوجيه الاستعماري مع أفراد جيلي كلهم. لقد فرض علينا جميعا أن ندرس التاريخ الفرنسي باللغة الفرنسية معروضا علينا في أبهى حلله وأروع صوره وأجمل مغازيه.
بينما كانت دراسة التاريخ العربي لا تتناول غير حوادث متفرقة سخيفة المعنى والمبنى. خالية من التشويق، بادية السطحية. وزاد الطين بلة أن التاريخ العربي مادة دراسية ثانوية هي في حاشية المنهاج الدراسي. فلا غرابة بعد ذلك أن يتنكر طلاب عرب لماضي أمتهم، لأنهم يجهلون هذا الماضي. ولا غرابة بعد ذلك في أن تنهار أعصاب