لم يفز الإمام الصادق بما يفوز به الزاهد والمتقشف والراغب عن ملذات الدنيا وشواغلها الصغيرة فقط، فهذا جانب واحد من جوانب شخصيته الغنية. ولعلي لو وصفت هذه الشخصية ب (الإنسانية) لما عدوت الصواب وتجاوزت الواقع الذي تثبته الأخبار والروايات المختلفة.
إنسانية الإمام لا أفهم من إنسانية الإمام هنا ما يفهمه الناس من أنها خصوصية أخلاقية ينسبونها إلى الفاضلين من الرجال، بل أدرك بها معنى أوسع وأشمل، لا تكون فيه الفضيلة فضيلة أخلاقية فقط، بل فضيلة علمية أيضا.
لقد كان الإمام متفوقا في خلقه متفوقا في حسن معاملته للناس، متفوقا في تصوير المثل الأعلى الأدبي لمن كان يطلب العلم في مجالسه، أو يذهب مذهبه من أتباعه، أو يعجب به من هو على مذهب غيره من العلماء والفقهاء، كما كان متفوقا في سعة إدراكه وغوصه على الحقائق العلمية الفلسفية في عصره، متفوقا في مشاركته الشاملة التامة العميقة في كل المعارف التي شاعت في عصره الذهبي.
لم يكن الإمام متخصصا في فرع من العلوم، أو ناهجا منهجا فلسفيا خاصا، راغبا عن غيره أو جاهلا له. فلم يكن التخصص يومذاك من مذاهب كبار العلماء وجهابذتهم.
العالم في القرون الهجرية الأولى هو معلمة عصره. يجد أتباعه عنده،