العالم، وظهرت معالم الجدية في هذه الرسالة، وبدت بخيوط من نور، التضحيات الرائعة، والجهود الفائقة، التي بذلها رواد هذه الرسالة في مجاهل الأكوام والفوضى التي تركتها وراءها دولتا الأكاسرة الفرس والقياصرة الروم.
والبداية هذه التي ظهرت بوادرها عند عرب اليوم لن تقف في وسط الطريق، ولن تكون لها أنصاف حلول، ولن تهدي إلى الإنسانية مواليد مجهضة. إنها الحقيقة بكليتها تقلع فوق سفينة عربية لارتياد المجهول، ثم لا ترجع إلى الوراء، ولا تكف عن السير حتى تبلغ غايتها أو تغرق السفينة. والحقيقة لا تختار لنفسها سفينة منخرقة، أو نخرة، أو فاسدة، فهي تعرف أين تضع رسالتها وتحسن اختيار من يتحمل مسؤوليتها بطبيعة مكنونة فيها. وكما أن الله كما جاء في القرآن الكريم " أعلم حيث يجعل رسالته " ومن يختار من خلقه لتبليغ وحيه، فالحقيقة التي هي روح الله، تحسن الاختيار، وتصيب المحز.
ولعل القارئ العربي الكريم أن يفهم من قولي هذا أن رسالته لم تعد رسالة استمتاع وتذوق يستوعبها وهو في مجلس من مجالس الاستجمام. كما كان شأنه خلال قرون خلت بل هي:
رسالة التفوق على الذات رسالة العمل المستمر رسالة التضحية الدائمة رسالة الكشف عن الحقائق الكامنة رسالة الإنسان في أكمل معانيه الإنسانية رسالة الإنسان في حقيقة الروح التي وضعها الله في جسده، فكان بها تصديقا للقول المأثور: أن الله صنع الإنسان على صورته.