هذه تأملات وصور مرقت في ذهني مروق الشهاب اللامع في دجنة الليل، حينما وضع صاحب دار مكتبة الحياة السيد يحيى الخليل بين يدي مجموعة من الأخبار والروايات التي تتعلق بسيرة الإمام جعفر الصادق، علم من أعلام تاريخنا، بل هو من سلسلة الأعلام وأسطعها. ومن سلسلة الرجال، مقدمها.
وطلب إلي أن أقدم هذه المجموعة من الأخبار بمقدمة تليق بصاحبها في حدود ما يتاح لي من المعرفة ويتهيأ لي من الجهد.
فانتهزتها فرصة سعيدة، أتحدث فيها إلى القارئ العربي الكريم عما تكاد نفسي أن تنفجر عنه. ولم أجد طريقا أقرب إلى المواطن العربي من طريق الكتابة.
وكتبت لا لأن هذه الأخبار قد جمعت بعد دراسة وتنظيم. ولا لأن صاحبها قد استعمل المنهج الجدلي الذي نحن في أشد الحاجة إليه، بل لأنها تشير إلى رجل اجتمعت فيه فضائل الإنسان ذي الرسالة الحضارية، إنسان ظهر فيه القلق إلى المعرفة والتوق إلى الحقيقة. والقلق عنوان الحياة عنوان التقدم. وهو الحافز الذي يدفع بصاحبه إلى النهوض بمسؤولياته، يحركه عندما يسكن، ويشجعه عندما ييأس، ويقويه عندما يضعف.
إنه القلق الذي يربط صاحبه أبدا بذيول اللانهاية ويشده إليها شدا لا تردد فيه ولا تهاون. يوجه به إلى اللانهاية،، إلى الله، قلبه وعقله.
أما قلبه فيتخذ طريقه في قلوب الناس، يحمل إليها الدفء والقوة والأمل والحب. وأما عقله فيتخذ طريقه في المعرفة، معرفة ما كمن من الحقائق في الطبيعة وما انطوى من الأفكار في النفس، وما تاه وانتشر من التأملات في الفضاء.
هذا القلق الذي عبر عنه القول المأثور: " أن الدنيا سجن المؤمن لا