" الفقهاء أمنا الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم. " ومن منا لا يتهم هؤلاء المشرعين الذين يركبون إلى السلاطين طلبا لمنفعة واستدرارا لنعمة من نعم الدنيا وحيازة لصلة من صلات الملوك؟
ومن منا لا يتنكر لظاهرة تاريخية واضحة نجد فيها أن كثيرا من الفكر والآراء المتعلقة بالتشريع والنظر الديني، قد فرضها الحاكم وعاقب عليها أو أثاب؟ أليست محنة الناس بالمعتزلة، أيام المأمون، والمعتصم، والواثق، مظهرا للانحراف التشريعي والديني؟ أو ليست محنة المعتزلة بالسنة أيام المتوكل، ظاهرة أخرى، من ظاهرات هذا الانحراف؟
وقل مثل ذلك في شتى من الانحرافات والتوجيهات التي اصطنعتها الدولة عند العباسيين وغيرهم من مؤسسي الدول الإسلامية، يدخل فيها الفاطميون، والأمويون والموحدون، والمرابطون، وغيرهم ممن كان لهم شأن في صنع هذا التاريخ الضخم العجيب.
لقد كان الإمام رحمه الله يشير إلى هذه الظاهرة قبل سنوات طويلة من ظهور المآسي الفكرية التي أشرنا إليها.
ولننظر إليه في أقوال صدرت عنه وأفعال جرت على يديه يعلم بها أصحابه كيف يكونون في مستوى الرسالة العظيمة التي لها ينهضون.
جاء في مطالب السؤول: أنه كان رجل من أهل السواد يلزم جعفرا فافتقده فسأل عنه، فقال له رجل يريد أن يستنقص به: إنه نبطي، فقال جعفر عليه السلام: أصل الرجل عقله وحسبه دينه وكرمه تقواه والناس في آدم مستوون. فاستحى ذلك القائل.