هؤلاء، وتتكون في نفوسهم روح التبعية وبعبارة أخرى، عقدة الشعور بالدونية.
بل الغريب أن تستيقظ النفوس بعد غفوتها، وتتحرك القلوب بعد ركودها، وتعمل العقول بعد سكونها.
وفي النموذج الاستعماري في الجزائر دلالة أخرى على هذه الحقيقة.
لقد اضطهد الجزائريون هناك. فسامهم الاستعمار من العذاب ألوانا. شحذ سلاحه، وأعد خبراءه، ونظم مؤامراته، وتحدى أقدس معاني الإنسانية. ثم أقبل على العزل من الناس، وفي نفسه سعار عجيب، وحقد مجرم غريب، يسمل العيون، ويشوه النفوس، ويهدم تراث الأمة، ويعبث بمقدساتها.
يكذب وينافق ويدجل. ثم يرجع إلى الكذب، لا يمل ولا يضعف مهما طال به الزمن. يقتل من يعجز عن شرائه بالمال. ويشوه من تحول الحوائل دون خضوعه لمغرياته. يمشي، وفي يمينه السيف، وفي يساره المال والنساء وسياسة التجهيل. فمن عجزت سياسة المال والنساء والتجهيل عن ترويضه، انقض السيف عليه يمحو أثره ويحطم منائره ويعفي من ذكره.
تفعل الإدارة الاستعمارية هذا كله لأنها تدرك خطورة أن ينبعث التاريخ حيا في نفوس أبناء البلد الذي تستعمره. إنها ملحمة النضال الأبدية بين غريزة التاريخ في شعب عظيم كالشعب الجزائري، وبين غريزة التدمير في نفوس من خانوا رسالتهم الحضارية، وانجرفوا عن خطوط إنسانيتهم، فضلوا، وأضلوا، وكان سعيهم سعيا غير مشكور.
بل لعلي لا أبالغ إذا قلت: إن التوجيه التاريخي، هو من أعظم الأسلحة التي توصل بها الإنسان لإبداع أمة عظيمة، أو القضاء على أمة وعزلها عن طريق الحياة.