وقال الآبي في " نثر الدرر " " مر به رجل وهو يتغدى فلم يسلم.
فدعاه إلى الطعام. فقيل له: السنة أن يسلم ثم يدعى، وقد ترك السلام على عمد. فقال: هذا فقه عراقي فيه بخل اه... " في هذين الخبرين ما يشير إلى طريقه (الإمام رضي الله عنه) في معالجة المشكلات الأخلاقية التي تعترضه. ففي طريقته البساطة الساذجة التي لا يفوز بها غير الكبار من الناس. يتناول الحادثة بالتعليق السريع الواضح، ويحل العقدة بكلمة أو كلمات قليلة. فهو في الخبر الأول يذكر الناس بقوله تعالى:
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم. " يقول هذا في يوم كان فيه العربي سيد المشرق والمغرب. بل كاد يكون الحاكم المفرد في العالم المعروف يومئذ. يقاوم بقوله الغرور الذي خلفه السلطان، والعصبية التي تنميها الثارات بين العرب والأمم المغلوبة على أمرها.
وهو في الخبر الثاني ينكشف عن براعة حلوة محببة، ومرونة رائعة في تفسير الأصول التشريعية. ولئن كان الموضوع بحد ذاته موضوعا تافها فقد لفتت نظرنا الطريقة التي عالج بها الموضوع. فكأنه يريد أن يقول لسائله ما قاله الرسول (ص) في بعض ما روي عنه: الاحسان خير من العدل.
فقد يكون، في عدم دعوة من لا يسلم إلى الغداء، حقا للتغدي. ولكن الاصرار على دعوته رغم ذلك تجاوز عن العدل طلبا للخير. أو تنازل عن الحق طلبا للإحسان.