فالجواب عنه - كما تقدم من ذنوب الأنبياء التي وقعت عن غير قصد وعن سهو وغفلة.
فصل معقود لدفع شبه نشأت مما قدمه فإن قلت: فإذا نفيت عنهم صلوات الله عليهم الذنوب والمعاصي بما ذكرته من اختلاف المفسرين وتأويل المحققين - فما معنى قوله تعالى: (وعصى آدم ربه فغوى) [طه 121]، وما تكرر في القرآن والحديث الصحيح من اعتراف الأنبياء بذنوبهم وتوبتهم واستغفارهم، وبكائهم على ما سلف منهم، وإشفاقهم. وهل يشفق ويتاب ويستغفر من لا شئ؟
فاعلم - وفقنا الله وإياك أن درجة الأنبياء في الرفعة والعلو والمعرفة بالله، وسنته في عباده، وعظم سلطانه، وقوة بطشه، مما يحملهم على الخوف منه جل جلاله، والاشفاق من المؤاخذة بما لا يؤاخذ به غيرهم، وأنهم - في تصرفهم بأمور لم ينهوا عنها، ولا أمروا بها، ثم أوخذوا عليها، وعوتبوا بسببها، أو حذروا من المؤاخذة بها، وأتوها على وجه التأويل أو السهو، أو تزيد من أمور الدنيا المباحة - خائفون وجلون، وهي ذنوب بالإضافة إلى علي منصبهم ومعاص بالنسبة إلى كمال طاعتهم، لا أنها كذنوب غيرهم ومعاصيهم، فإن الذنب مأخوذ من الشئ الدني الرذل، ومنه ذنب كل شئ، أي آخره. وأذناب الناس رذالهم، فكأن هذه أدنى أفعالهم، وأسوأ ما يجري من أحوالهم لتطهيرهم وتنزيههم وعمارة بواطنهم وظواهرهم بالعمل الصالح، والكلم الطيب، والذكر الظاهر والخفي، والخشية لله، وإعظامه في السر والعلانية، وغيرهم يتلوث من الكبائر والقبائح والفواحش ما تكون بالإضافة إليه هذه الهنات في حقه كالحسنات، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، أي يرونها بالإضافة إلى علي أحوالهم كالسيئات.
وكذلك العصيان الترك والمخالفة، فعلى مقتضى اللفظة كيفما كانت من سهو أو تأويل فهي مخالفة وترك.
وقوله تعالى: (غوى)، أي جهل أن تلك الشجرة هي التي نهي عنها، والغي: الجهل.
وقيل: أخطأ ما طلب من الخلود، إذ أكلها وخابت أمنيته.
وهذا يوسف عليه السلام قد أوخذ بقوله لاحد صاحبي السجن: (اذكرني عند ربك، فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) [يوسف 42].
قيل: أنسي يوسف ذكر الله.
وقيل: أنسي صاحبه أن يذكره لسيده الملك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا كلمة يوسف ما لبث في السجن ما لبث.